د. خيرية السقاف
في سكون الليل يقف بين الجدار ومصدر الضوء، ثم يمشي يمينًا ويسارًا، يتلفت، ينحني، يقف، يجلس..
ظله يتحرك صامتًا بلا تفاصيل على الجدار..
وثمة «كاميرا» تحرِّك السكون مع كل صدى للقطاتها..
ثم يعود لحجرته بعد أن يُفرغ صدره من كل زفرة فيه..
في حجرته يأخذ وضعه المنتظم على حافة مقعده، يُشرع نافذته المطلة على البحر، يسحب صندوقًا مقفلاً بإحكام من الرف جواره، ثم يُخرج مفتاحًا من كوة عميقة في الجدار خلف صورة كبيرة لشاطئ مهجور، تناثرت فوق رماله كسر لمراكب كانت لها قصص في الإبحار، وحكايات مع البحارة..
يفتح الصندوق، يخرج رزمة ورق منه، وهو يفرطها واحدة بعد أخرى، تحمل صورة صامتة بلا ملامح لحركات جسد شبيهة بما حدث لانعكاس حركات جسده بين الجدار، والنور، إنها له هو ذاته، في أزمنة مختلفة من عمره!!
يتأملها، ثم يضعها في الصندوق، يحكم إقفاله، ويعيده لما كان، يدس المفتاح في الكوة، ويتكور فوق مقعده!!..
النسمات التي تتيحها النافذة تصله، تحمل أصداءً لها في دخيلته ملامح، يتنهد طويلاً..
يردد: هي الكمين، الكمين، أعضاء بلا ملامح، ولولا الضوء لكانت مزيجًا من طين الجدران، وهدوء مدفن موتى..
هي الأصوات المتوثبة التي كانت تعبر لتنتهي إلى الغياب الكلي، الأجساد الممشوقة تتضاءل للانقضاض، الأشياء اللصيقة تضمحل حتى الفناء..
هذا الهيكل الراقص في سكون الظلمة هو الذي كان الراكض في يقظة الضوء..
هذه النافذة لن تدوم كثيرًا تطل على البحر..
سيتغير البناء..
المكان..
البحر..
لا محال سيمضي للانحسار!!..