يوسف المحيميد
ما حدث ويحدث في سيناء هو أمر خارج عن السياق المصري المعروف، وما شاهدته قبل أيام من مقطع فيديو لمتشدد مصري، يهدد ويتوعد، إما يشير إلى أن ثمة تحريض خارجي يريد أن يخرج مصر من سياقها المعروف منذ مئات السنين، مصر التسامح والمحبة والإخاء، مصر التي تضم كافة الأطياف والسلوكيات المتناقضة والمتصالحة في الوقت ذاته، مصر التي لا تعرف العنف مطلقًا، فكل ما فيها يوحي أن البشر من طبقات مختلفة، أغنياء وفقراء، علماء وجهلة، أوفياء وصادقين ومخادعين بسطاء، هم أناس يكشفون الطبيعة البشرية بكل حالاتها وتجلياتها.
هذه الأرض العريقة، أرض النيل العظيم، يمكن أن تجد فيها رجلين يشتم أحدهما الآخر، ثم بعد نصف ساعة يجلسان معا على طاولة (وكباية شاي)، وقد تجد ثلاثة رجال يجلسون على طاولة بينهم من الخلافات ما لا نتخيله، يتراشقون بحدة، لكن كل منهم يتقبل الآخر، ويحرص على حقه، ولا يمكن أن يحرمه من ذلك الحق، حتى سائق التاكسي، والصنايعي، والأقل تعليما، يمتلك من الوعي بالحياة أكثر من غيره، فهذه الأرض عصيَّة على التطرف والإرهاب، ولن تقبله أبدًا، ولم تعد مصر أرضًا صالحة له، فأفكار سيد قطب، وتنظيمات الإخوان، وتجربتهم الفاشلة في مصر، لن تعود مرة أخرى، وما حدث في العريش من استهداف مسجد الروضة شمال سيناء، ومقتل المئات، لن يهز مصر، ولن يلغي تكاتف أطيافها المختلفة، من مسلمين وأقباط، فكما تعاطف المصريون المسلمون مع مواطنيهم الأقباط المسيحيين في حوادث كثيرة آخرها كنيسة المنيا، والقاهرة وغيرهما، ها هم الأقباط المصريون يقيمون صلاة الغائب على شهداء مجزرة مسجد الروضة، فالإرهاب لا دين له، ويجب الوقوف بقوة أمامه، ومحاربته، واستئصاله من جذوره التي تأذت منها دول عربية كثيرة.
أجزم أن مصر ليست مثل غيرها، فهي غير قابلة للدسائس التي تُحاك ضدها، فالمواطن المصري وإن ضاقت به الحال، لا يخذل أرضه وناسه، ولن يضع يده في أيدي من تلوثت ضمائرهم قبل أيديهم، وكل هذا العبث المجاني سينتهي، وستبقى مصر أرض التعدد لا التشدد.