نجيب الخنيزي
تقشعر الأبدان إزاء الجريمة البشعة التي شهدتها مدينة العريش التي تقع في شمال شرق سيناء، حيث هاجم عديد من الإرهابيين المسلحين مسجدها مرتكبين مجزرة جماعية رهيبة، ذهب ضحيتها المئات (أكثر من 300 قتيل) من المصلين العزل بينهم عدد كبير من الأطفال، ولا يكفي هنا تفسير مثل هذه الجرائم المروعة المتتابعة في مصر وباقي البلدان العربية والإسلامية بالتفسير المعتاد الذي يحصر المسؤولية في الجماعات المتطرفة المحدودة.
في الواقع جل المجتمعات والبلدان العربية والإسلامية وخصوصًا في العقود الأربعة الماضية باتت تعيش أوضاعًا صعبة وأزمات متفجرة على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية.
التشظي والانقسام الأفقي «بين المكونات الاجتماعية» والعامودي «بين السلطات الحاكمة والشعوب» الحاد نجد تجلياته في تصدر الهويات (الأثنية، الدينية، المذهبية، المناطقية، القبلية) الفرعية، واتساع نطاق التطرف والعدمية والعنف والصراع والإرهاب المتبادل في حرب الجميع ضد الجميع الذي ينذر بتفكيك اللحمة الوطنية والمجتمعية الهشة التي تشكلت في إطار الدولة الوطنية «الحديثة».
العنف والإرهاب الذي تمأسس وتمدد على نطاق واسع، وصولاً لتشكل ما سمي «الدولة الإسلامية» على يد تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق وأماكن أخرى في البلدان العربية - الإسلامية، أصبح نسقًا متكاملاً في أبعاده الإستراتيجية والتكتيكية والتنظيمية والأيدلوجية، ومن حيث أجندته وممارساته واستهدافاته المعلنة أو المضمرة.
الكثير من تلك الدول شهدت وتشهد اندلاع أعمال عنف وتدمير لممتلكات عامة وخصوصًا ومواجهات وتفجيرات دموية أغلبية ضحاياها من المدنيين، وذلك بهدف شل الحياة السياسية والاقتصادية، وخلق حالة من الفلتان الأمني، كما تحدث مواجهات مسلحة بين أجهزة الأمن والجماعات الإرهابية المسلحة يسقط خلالها قتلى وضحايا من الجانبين. وهناك بلدان تعيش حالة حروب أهلية فعلية أو كامنة تحت الرماد، كما هو حاصل في السودان والصومال والعراق وسوريا وليبيا واليمن وأفغانستان وباكستان ولبنان وغيرها من البلدان.
تلك الحالات تقف وراءها في الأغلب إن لم تكن جميعها جماعات «إسلامية» إرهابية، تطرح شعارات ديماغوجية ومخادعة، على غرار الإسلام هو الحل، الحاكمية لله، الولاء والبراء، دار الحرب ودار الإسلام، وحرب الفسطاطين، متكئين في ذلك على ابتسار بعض النصوص من القرآن والسنة والأحاديث النبوية خارج سياقها، متجاهلين أسباب النزول وظرفها التاريخي المحدد.
جرى تجاهل القاعدة الشرعية التي تقول: «الضرورات تبيح المحظورات» و»أن الأصل الإباحة ما لم يكن هناك تحريم قطعي الدلالة» في حين تصدرت الدعوات والفتاوى التي تضيق على حرية الفرد في سلوكه وطريقة حياته المدنية وتفكيره المستقل، وتخنق المجتمع بمحرمات «تابوهات» متنوعة، وذلك تحت مسمى «باب سد الذرائع» و»المحذورات مقدمة على الضرورات» والدفاع عن صحيح الدين والمذهب، والتكاليف الشرعية والحفاظ على الأخلاق والعفة، التي تطورت على نحو خطير بادعاء الانتماء إلى الفرقة الناجية، وامتلاك الحقيقة الدينية المطلقة التي تسوغ التكفير والتبديع وممارسة العنف المادي والرمزي والتطرف والإرهاب بحق الآخر المختلف.
كما شمل التكفير والإرهاب الحكومات والأنظمة العربية - الإسلامية وكذلك البلدان والمجتمعات الغربية على حد سواء. رغم مخالفة ذلك لما جاء في القرآن من آيات واضحة الدلالة، وهناك الكثير من الآيات التي تحض على الرفق واللين، حيث خاطب القرآن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله {فَقُل لَّهُمْ قولاً مَّيْسُورًا} «سورة الإسراء»، وقوله تعالى مخاطبًا النبي صلى الله عليه وسلم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} «سورة آل عمران». للحديث صلة