محمد عبد الرزاق القشعمي
كثرت الكتابات عن الفساد الذي نعيش زمن اجتثاثه من أعلى قمته. وستسمي الأجيال القادمة هذا الزمن بعصر مكافحة الفساد والقضاء عليه. وكتب البعض بطلب الستر على من يعترف بسرقته أو اختلاسه وتقديم ما بقي لديه منها حتى لا يسبب له ولعائلته الأذى وتشويه السمعة.. ولم يفكر من سولت له نفسه بأخذ الرشوة أو المساهمة بترسية مناقصة مخالفة للشروط، أو استلام مشروع غير مكتمل المواصفات، كل هذا وغيره كتب عنه كثير من كتابنا وأوغلوا فيه..
إلا جانب واحد وأعتقد أنه مهم إذ هناك من تصدى للفساد من قبل، وأتهم بالغباء وقيل عنه إنه (ما نفع نفسه) وإلا (هذا حلال حكومة) أو (جلد مهوب جلدك جره على الشجر).
هناك نماذج ناصعة من بعض المسؤولين الذين تسلموا المسؤولية وحافظوا عليها وحاربوا الفساد بشكل فردي، ومع ذلك لم يأخذوا حقهم من التقدير على الأقل كلمة حق كأن يشاد بهم ويشكروا على ما قاموا به، كما هو بالنسبة لمفتشي الجمارك في الحدود عندما يكتشفون تهريب ممنوعات يكافئوا بما يعادل قيمة أو جزء من قيمة ما اكتشف. وأحياناً يذكرون ويشكرون إلى جانب مكافأتهم.
أمن مكافحة الفساد ورفض قبول الرشوة فهذا هو الذي يجب أن يشاد به ويكافئ ويشكر.. وتحضرني بالمناسبة قصة المهندس/ محمود طيبة - رحمه الله - عندما عرضت عليه شركة كورية مبلغ عشرة ملايين ريال قبل أكثر من أربعين عاماً. وعندما بَلَّغ رئيسه الدكتور/ غازي القصيبي وزير الصناعة والكهرباء وقتها. أخذه إلى الأمير/ نايف وزير الداخلية - رحمهما الله - فوضع كمين لمندوب الشركة وهو يسلم طيبة مقدم مليون ريال فقبض عليه متلبساً بالجريمة، وقد قال القصيبي للملك فهد - رحمه الله - أن الذي رفض رشوة بعشرة ملايين لا يملك في حسابه مليون ريال، فأمر الملك بإبقاء المليون داخل منزله وكوفئ بسببها بوسام الملك عبدالعزيز.
هذا مثال بسيط، وهناك بعض المسؤولين يجعلون من أنفسهم قدوة لمن يعمل معهم. فكنا نسمع ونقرأ بعض القصص عن بعضهم ويطلق على هذا البعض (أما مغفل) لماذا لا يفيد ويستفيد، أذكر أيضاً بالمناسبة ما سبق أن ذكره المهندس/ أحمد طاشكندي عن أول وزير للبترول والمعادن المهندس/ عبدالله الطريقي أنه يحضر للوزارة ليلاً بمفرده إلا إذا دعت الحاجة لحضور مسؤول أو موظف معه. وكان لا يسمح بحضور العمال (الفراشين) فهو يعد قهوته بنفسه، وحتى الإضاءة التي لا لزوم لها يمر عليها ليطفئها.
وهناك نماذج لمسؤولين في الزهد والاقتصاد والمحافظة على المال العام.
وهناك آخرون يتساهلون في أمور يعتبرونها صغيرة أو بسيطة مثل التكليف بعمل إضافي، أو الانتداب أو السماح بأخذ سيارة من ممتلكات الوزارة إلى منزل المسؤول ويقضي بها حاجته الخاصة. وحتى التغاضي عن حضور وانصراف بعض الموظفين أو السماح لهم بالتوقيع بالحضور والخروج، فهذا هو بداية الفساد، ولا ننسى أيضاً التصرف السريع عند نهاية السنة المالية بصرف ما يتوفر من الاعتمادات بتأمين أشياء لا داعي لها أو مكافأة بعض المقربين بانتدابات أو عمل إضافي وهمي. ونختم بما يمثله بعض مديري الشؤون المالية والموظفين من إخفاء المراتب المخصصة للهيئة ولا يباح بها إلا للمقربين منهم من الشلة فهذا هو المدخل الممهد للفساد.
فالمسؤولون وعلى رأسهم صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لا يجهلون ذلك ولا شك أنهم فاعلون بقدر ما يفضح المفسدون يقدر من يرفضون الفساد..