عبدالعزيز السماري
تدخل سوريا مرحلة حاسمة في تاريخها الحديث، فالصراع ضد الاستبداد والفساد والطائفية والتأثير الإيراني دخل منعطف هام، وبكل تجرد أصبح الحل ممكناً إذا انتصرت الدول الدائمة العضوية في الأمم المتحدة لمبادئ الأمم المتحدة ومواثيق حقوق الإنسان، وإذا أرادوا بالفعل إعادة الدولة إلى شعبها، وبدون إدارة الريموت كونترول من إيران كما حدث في العراق.
لا يمكن أن يقبل العالم استمرار رئيس قتل شعبه الكيماوي ثم شرده في بقاع الأرض، وأن يكون ممثلاً له أمام العالم في مستقبل الأيام، ولابد من حسم المسألة سريعاً، فالتاريخ لن يرحم أولئك الذين تقاعسوا عن نصرة الشعوب المغلوب على أمرها حين أبادهم أطفالهم بالمواد السامة..
كان موقف الدول العظمى حاسماً ضد بعض زعماء الصرب وجيوشهم المتوحشة، حين أقدموا على ذبح البوسنيين لاختلافهم العنصري والديني، كان القرار سريعاًِ، وتدخلت الولايات المتحدة الأمريكية لإنقاذ الشعوب من الهلاك، وتم تقديم زعماء الصرب للمحاكمة، لن ينسى العالم والتاريخ هذا الموقف الأخلاقي في انتصارهم للشعوب المجردة من القوة والإمكانات.
لأسباب أجهلها اختلف الوضع في سوريا وقبلها العراق، وقبلهم جميعاً الشعب العربي الفلسطيني الذي ذاق الأمرين بسبب وعد غربي منح أرض فلسطين بدون وجه حق ليهود الشتات في العالم، وتدخل هذه المواقف المتناقضة المرء في حيرة، وهل مبادئ الأمم المتحدة ومواثيق حقوق الإنسان لا تنطبق على الشعوب العربية في سوريا أو في غيرها.
تركوا الشعب السوري يصارع العالم في ثورته ضد الاستبداد، وذلك عندما تدخلت روسيا وتدخلت قبلها إيران وأذنابها في المنطقة من أجل إخماد ثورة الشعب السوري ضد إجرام النظام واستبداده وطائفيته، في جانب اختارت الولايات المتحدة الأمريكية أن تكون في موقف الضعف لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك عندما سكتت وهي ترقب الشعب السوري يُقتل تارة بالبراميل المتفجرة، وتارة أخري بأسلحة فتاكة للجيش الروسي وأذناب إيران.
تم إعطاء النظام الدموي شرعية في مفاوضات السلام في جنيف، وكأنهم بذلك يقدمون لهم صك البراءة من القتل المنظم وغير المنظم للشعب السوري، وزاد في الأمر أنهم سمحوا للنظام أن يضع شروطه ويرفض لقاء الممثلين السياسيين للشعب العربي المقهور، وكأنهم يقولون لهم إن النظام باق و مستمر في حكم دمشق الأبية.
اتحدت قوى عالمية لاستمرار حكم النظام الطائفي في دمشق، وهو حكم يقوم على استبداد بعض من أقلية طائفية في حكم دولة سوريا، بينما ما تطالب به المعارضة السورية هو صناديق الاقتراع ودستور غير طائفي، يسمح للجميع بالمشاركة السياسية.
قد لا نحتاج إلى استخدامات غير مبررة لنظرية المؤامرة لتبرير الوضع الحالي في دول الشام والعراق، والذين يشكلون البعد والعمق الإستراتيجي للشعب العربي في فلسطين، فالصورة واضحة لمن يراها من خلال البعد المؤمراتي، فالموقف الغربي منحاز للحل الطائفي في هذه المنطقة، والدليل أن إيران وذنبها حزب الله ما زالوا بأسلحتهم وعتادهم موجودين على الأرض السورية وسط حراسة القوى العالمية.
لم أكن في حياتي قومياِ عربياً أو مؤدلجاً لأي تيار كان، ولكن أميل لتحكيم العقل والحكمة والموضوعية في النظر للأمور بشكل عام، ولهذا بدأت أصل لقناعة أن الحل العربي الحازم هو مفتاح أزمة سوريا وبلاد الشام والعراق، وإذا لم ينظر العرب للأزمة كأمة تقوم على أسس ثقافية مشتركة، وليست عرقية أو قومية، فإنهم سيخسرون أراضيهم لدول الجوار من مختلف الجهات.
تحاول بعض الحكومات العربية تقديم مبرارات غير صحيحة لمساندتها للنظام السوري في حربه ضد شعبه، فهو على حد نظرتهم يمثل العروبة في صورتها الأيدولوجية، وهي نظرة قاصرة، فالنظام السوري ليس عروبياً، ولكن طائفي بغيض، ويدين بالولاء لإيران وطهران.
كذلك الموقف من حزب الله في لبنان، فالحزب مكتب سياسي لدولة إيران في لبنان، ويمثل قيادة فرعية للحرس الثوري الإيراني، ووجوده في المنطقة يعزز الثقافية الطائفية بين العرب، وهو هدف إستراتيجي من أجل تفتيت المنطقة العربية، وإذا لم تجتمع الدول العربية على كلمة واحد ضد التدخلات الطائفية، ستكون نهايتهم أقرب لتلك النهاية المأساوية في الأندلس..
لم تعد الحلول الإسلامية مجدية، فقلوبهم شتى، ويعادون بعضهم بعضاً أكثر من عداوتهم للمحتل، تماماً مثلما حدث في قرطبة وغرناطة، وهو ما يجعل من النموذج العربي الثقافي الحل الأمثل لمواجهة التحديات الخارجية، ليس على أسس عنصرية أو قومية، ولكن على عناصر الثقافة المشتركة والمصير الواحد، التي امتدت لعشرات القرون في التاريخ، والحل أن يقفوا متحدين ضد التدخلات الإقليمية مثلما حدث في يوم العرب في ذي قار..