عمر إبراهيم الرشيد
اتسمت خطط التحول الوطني بإيلاء جوانب الصحة العامة وجودة الحياة والترفيه الأهمية التي تتطلبها، والوسائل والبنى التحتية اللازمة لها. وما قرار مجلس الوزراء الأخير بخصوص الشواطئ في المملكة إلا تأكيداً لذلك، لأن وضع الشواطئ لدينا يحرم سكانها من الاستمتاع بها والتريض على طولها، بسبب تزاحم المشاريع الخاصة والعقارية. ومن المعروف أن للبحر وهوائه تأثيراً إيجابياً على الصحة العامة والنفسية، فهواؤه مشبع باليود وهو العنصر المؤثر إيجابيا على صحة الإنسان، إنما يتطلب ذلك أن تكون الشواطئ ممتدة طولاً وعرضاً بحيث يستمتع بها السكان دون تلوث بيئي أوبصري، من إسفلت أو خرسانة صماء ومركبات تحرمهم من الجلوس والمشي بحرية على رمالها البيضاء، ولا تخفى فوائد المشي وعلى الرمل تحديداً، بما فيها من معادن وأملاح بحرية تمتص الطاقة السلبية وتنشط الدورة الدموية والصحة العامة الجسمانية والنفسية.
مدينة جدة تحديداً شاطئها هو الأكثر ازدحاما بالأبنية والعقارات والأضيق لمرتاديه بين شواطئ المملكة الأخرى، إلى أن تم قبل أيام تدشين الواجهة البحرية في مراحلها الثالثة والرابعة على امتداد شاطئها شمالاً وجنوباً، وهي مشاريع دشنت وهذه المدينة وسكانها بأمس الحاجة إليها، فحق لها ولهم استشعار أنماط الحياة وممارستها بعد هذه المشاريع. أما مدن شمال غرب المملكة بدءاً من تبوك نزولاً عبر مدن أملج والوجه وضباء، فإنها تتوفر على شواطئ لازوردية نقية، وبإمكانها أن تغدو وجهات سياحية هي الأجمال بين نظيراتها الخليجية والعربية. فهي مدن صغيرة مما أعطاها ميزة خلوها من التلوث والازدحام، كما أن أجواءها معتدلة صيفا وشواطئها بكر إلا من نشاطات بسيطة ما يجعلها متهيئة لمشاريع سياحية وترفيهية نوعية، ولذلك جاءت فكرة مشروع (نيوم) النوعي العملاق بأهدافه الترفيهية والاجتماعية والاقتصادية وموقعه شمال غرب المملكة ملتقياً بأجزاء من الأراضي المصرية والأردنية. اختيار الموقع جاء نظير ميزاته وتأثيره والفرص الكامنة التي يوفرها في مجالات عدة، لذلك حرصت شركات وكيانات اقتصادية دولية على الاستثمار فيه والمشاركة في بنائه. وما ذكرته عن مدن شمال الساحل الغربي ينطبق على مدن جنوبه وصولا إلى جزيرة فرسان وبيئتها الفريدة وساحل جازان بمهرجان الحريد الذي بات مقصداً سياحيا لمن يعشق التراث البيئي والاجتماعي. وشواطىء المنطقة الشرقية كما قلت تتميز بالسعة والتنظيم، على أن ميناء العقير التاريخي قرب الأحساء ينتظر أن يصبح وجهة سياحية للمنطقة بموقعه المتميز ومبانيه العريقة.
واللافت في شواطئ مدن أمريكية وغربية ذلك الامتداد طولا وعرضا، مع بعد المباني وانسحابها عن الشاطئ بمسافات معتبرة إلى اليابسة، مانحة ارتياحا جغرافيا وبصريا لمرتادي الشواطئ لممارسة مختلف الأنشطة الترفيهية والرياضية، ما يؤثر إيجابيا على الصحة المجتمعية العامة، وهذا ما كان ينقص شواطئنا وجدة بالأخص، فهذه المدينة تعاني من علل بيئية وصحية تهدد الصحة العامة إن لم يتم تدارك وعلاج مسبباتها. وما تم تدشينه الأسبوع الماضي من مشاريع الواجهات البحرية يحسب لإمارة المنطقة وأمانتها، ويبقى تعميم تواجد الشرطة البيئية لردع العابثين كما ظهر من خلال المقطع المتداول، وتعاون السكان من خلال التطبيقات للإبلاغ عن المخالفين والمخربين. أقول هذا تذكيراً مرة أخرى لماتتضمنه خطة التحول الوطني 2030 بخصوص جودة الحياة وتطوير البنى التحتية للخدمات الصحية والاجتماعية والترفيهية. لذلك فإن ما أكتبه هنا ليس لمجرد الثناء على قرار مجلس الوزراء الأخير بخصوص الشواطئ وضبط عمليات البناء عليها، وإنما لتذكير القراء الكرام بأهمية الشواطئ وتأثيرها على جودة الحياة، وبالتالي أهمية القرار ومتابعة تطبيق بنوده بحزم ودون تهاون أو تأجيل، إلى اللقاء.