عبده الأسمري
أتعجب كثيراً من وجود وظائف حكومية لدينا تتراوح بين موظفي الشؤون الإدارية والسكرتارية والأرشيف والاتصالات الإدارية والعلاقات العامة فيها الآلاف من موظفين تجد مهامهم متداخلة متشابهة، بل إن بعض هؤلاء الموظفين يراوح مكانه منذ سنين وآخرين ينتظرون الراتب نهاية الشهر والعلاوة السنوية والترقية المدبلجة في إطار البيروقراطية .كل ذلك يتم في دائرة من البؤس الوظيفي المجمّد؛ فلم يتم استحداث وظائف ولا تغيير إطارات أخرى ولا تحوير العمل نحو إنتاج مختلف أو رؤية مستقبلية. وعلى الجانب الآخر هنالك عشرات المهن التي أطلقت حيالها العهود والمواثيق المغلظة أنها ستكون بأيد سعودية في حين أن مئات المشاريع لا تزال تُدار في البلد بأيدي «عمالة أجنبية جاهلة» لا تمتلك أي مؤهل أو شروط لنيلها.
وفي ذات السياق يكتنف الغموض مصير آلاف الخريجين الجامعيين سنوياً فيضطر بعضهم إلى الالتحاق بوظيفة خارج إطار تخصصه والقبول بها، في حين أن البعض يظل ملاحقاً لسراب وظيفة حكومية أو تسويفات أخرى خاصة فيمر العمر دون الوصول إلى مبتغاه.
وبالرجوع إلى ملف البطالة هنالك العديد من العراقيل والعوائق التي صنعت هذه الظاهرة بحياكة «الفساد» وصياغة «التلاعب بالتصريحات». وسؤالي: هل لدينا إحصائية حقيقية عن البطالة ومن أين تستمد هذه الأرقام..؟
امتهن عددٌ من الشباب السعودي بيع شاي الجمر والذرة على الطرقات، فيما ينعم وافدون بحصد آلاف الريالات يومياً في حلقات الخضار التي ظلت «أسطوانة سعودتها» قصة عجيبة مريبة أتعبت الآذان ووصل صداها لوافدين فامتهنوها وسط المدن وأمام الجوامع وفي كل مكان، متجاهلين النظام، بينما الشباب السعوديون يرابطون على بوابات التوظيف وأمام المكتبات لتعبئة استمارات الوظائف.
بعض الشركات ساعدت السعوديين ولبت نداء السعودة باحترافية، أما أخريات فآثرت أن تخرج من نطاقها الأحمر بتوظيف وهمي لسعوديين برواتب زهيدة مقابل وضع أسمائهم في سلم التوظيف، وكل ذلك والأعداد تتزايد.
وبما أننا في فجر جديد لمواجهة ملفات الفساد فإن البطالة من أكثر مخرجات الفساد ومن سلبياته الكبرى وخصوصاً أن هنالك من يوظّف أقاربه ويرفع رواتب أبناء أصدقائه ويخصص الانتدابات لجماعته ويجهز الشواغر لأهل بيته ويحجز المزايا المالية لعشيرته الأقربين مما حرم العديد من الوظائف ورمى مؤهلين ومؤهلات في ساحة «الإحباط» وفي ردهات اليأس..
وإذا ما شخّصنا البطالة بمفهومها «الأصيل» فإن الباطل بصور متعددة كان وراء ظهورها وجلائها وسط مؤشرات تنموية متسارعة وفرص اقتصادية وحكومية واعدة، غذن فإن هنالك مصفقين لهذا الباطل.. ومتعاونين في تصفية المصالح لذواتهم.. إضافة إلى تهرّب العديد من رجال الأعمال من توظيف السعوديين والاتكاء على أجانب برواتب أضعاف الأجرة وبعضهم قادمون بالتزوير ونوع من التجار حرم الناس حقوقهم وتمادى في الباطل حتى صاغ الباطل والبطالة على طريقته.
مع حملة التوطين الأخيرة التي أطلقتها وزارة العمل جاهدة ونتمنى أن تنجح فيها واعتبرها بطولة قياساً بإخفاقات ماضية وهزائم سابقة هنالك من سيتقاعس عن التوظيف ومن سيخالف المنطق ومن يتحيز في الاختيار ومن يعقّد الأمور وهي عادة العديد من الأفراد والجهات مع بداية أي توطين.. أتمنى أن يتم مراقبة مكامن الفساد خلال الفترة القادمة مع مشروع حقيقي لمكافحة البطالة؛ لأن الفساد كان السبب الأول وسيظل أمام أي ظاهرة سلبية لدينا أو خلل أو إخلال بالتنمية سواء للإنسان أو المكان.