في أوائل التسعينيات الميلادية عاتب أحد الكتاب العرب صديقًا لي بسبب «تخريب كتّاب من السعودية وبعض دول الخليج العربية» تعامل الناشرين معهم، مشيرًا إلى أن الناشر كان لا يأخذ مبلغًا من المؤلف لقاء طباعة ونشر كتبه، بل يعطيه جزءًا من الأرباح بحسب العقد، وأصبح بعض هؤلاء الناشرين بعد تعاملهم مع تلك الفئة يطالبون من يريد أن ينشر كتابًا بمبالغ نقدية لقاء ذلك.
هنا في المملكة العربية السعودية تعوّد الكاتب لكي يصدر كتابًا أن يدفع، في البدء للناسخ ممن يحوله من ورقي إلى إلكتروني، وللمطبعة التي تطبع الكتاب، وحين يصدر يقوم بدفع مبالغ للبريد لتوزيع الكتاب على بعض الأصدقاء، وإذا أعطاه دار توزيع فيكاد أن يدفع مبالغ الشحن لتوزيع الكتاب.
لا أبالغ في كلامي ولكن كل من تكلف بإصدار كتاب دون ناشر لن يحصل على مردود من نشره إلا إذا باعه على إحدى المؤسسات الثقافية وعلى رأسها وزارة الثقافة والإعلام وهذا يحتاج إلى خبرة خاصة.
إذا حين يأتي ناشر ويتواصل مع كل مستخدم لأحد مواقع التواصل الاجتماعية ويقول سنجمع شتات ما تكتبه في صفحتك ونضعه بين دفتي كتاب، سيوافق مباشرة، وبالطبع سيدفع أو ستدفع.
هوس غير طبيعي لدى الجيل الجديد بالنشر، يجعلهم «صيدة سهلة» لأصحاب دور النشر الوهمية الذين يأخذون منهم ما يتجاوز (ألف دولار)، لقاء نشر محاولاتهم الكتابية الأولى، ونعرف أنه باستخدام التقنية الحديثة للحاسب بإمكان أي شخص يصمم كتابًا خلال ساعات، ويوهم الضحية أن الكتاب ستجده في كل مكتبات العالم، لا يتوقف الأمر على المبلغ بل يأخذ بيانات بعض الكتاب الشخصية ليتم ابتزازهم فيما بعد.
وبعد ذلك يتجهون للصحف وبعض الفضائيات ليبثوا شكواهم تجاه الناشر المزيف، وهذا الأمر ليس حديث العهد، بل منذ سنوات حيث فوجئ بعض الأدباء في أوائل التسعينيات بطباعة ما لا يتجاوز المائة نسخة من إصداراتهم الإبداعية من دار نشر عربية بعد أن دفعوا قيمة النشر وكان الاتفاق على ألف نسخة، وأغلب تلك الدور اختفت.
في تلك الفترة كان لا يتجاوز عدد الضحايا أصابع اليد الواحدة، ولكن الآن وبوجود مواقع التواصل الاجتماعية فالبحر مملوء بالسمك والصيد سهل والغلّة كبيرة، كل واحد «أو واحدة» يقرأ ويكتب.. يرغب أن يدخل عالم النشر من خلال الخواطر أو القصة أو الرواية أو الشعر أو التغريدات، إنه «يانصيب» جديد، الكل فائز «وفق إعلان الأغا» وحقيقة الكل خاسر، وأول الخاسرين هم ضحايا الذهاب وراء وهم نشر الكتاب ثم الشهرة. لن يتوقف الأمر ولن تقدر جمع الجهات المختصة على وقف تلك الممارسات، حتى يكون لدينا صناعة نشر كما في الدول المتقدمة، حيث إن دار النشر تكون معروفة ولا تنشر إلا وفق اتفاق وعقد يوضح الحقوق والواجبات، والأهم من ذلك لا عشوائية في النشر وكتاب رديء قد يسقط تلك الدار، وعند ذلك لن يكون هنالك مكتب وهمي لجمع أموال من «سذّج» لقاء نشر وهمي.
** **
- عبد العزيز الصقعبي