التعريف الشائع في الموسوعات والقواميس هو أن اللغة: هي أداة للمعرفة وهي نسق من الأصوات للتعبير عن الأفكار والمشاعر.
هل اللغة هي أصوات فقط؟.. أين ذهبت لغة الجسد، التي تبتدئ من الإيماءات إلى الرقص؟ أين ذهبت لغة الموسيقى والرسم والنحت ... إلخ؟ ولا شك أن اللغة هي أداة للمعرفة! ولكن هل يستطيع عمال البناء مثلاً تشييد برج كبرج المملكة أو الفيصلية بدون لغة؟
إذن اللغة هي أداة للتواصل الاجتماعي قبل أن تكون أداة للمعرفة! والتواصل الاجتماعي هو التجربة الإنسانية كلها، أي التاريخ والجغرافيا والفنون والعلوم والآداب وكل ما توصلت له الإنسانية من ازدهار.
في المجتمع البدائي كان التواصل بين البشر يتم بواسطة الإيماءات، ثم استخدام «أصوات الحيوانات» كالطيور، و«الأصوات» الطبيعية كخرير المياه وحفيف الأشجار، ثم «الرسم» على جدران الكهوف، ثم «النحت» لصناعة أدوات الصيد وللدلالة أيضاً على وجود هذا النوع من الطرائد أو ذاك، ثم ابتكروا «الكتابة» الصورية والحرفية لتسجيل التجربة (تاريخ)، ورسم الحدود لتوثيق المكان (جغرافيا) و«الرموز» للتعبير عن التفاعلات الكيميائية والظواهر الفيزيائية والرياضيات والعلوم والفعاليات الأخرى.
إذن تطور اللغة أو اللغات تم بناءً على التجربة التي أنتجت الوعي، الذي يميز الإنسان عن سائر الكائنات، والوعي لا يقتصر على اللغة، إنما يشمل التفكير ومقوماته (منطق) والنزعة نحو الازدهار في الطبيعة والمجتمع (حداثة)، والنزعة نحو الكمال (إبداع)، وتطوير الجمال ونبذ القبح (فن).
الوعي تكون بالعمل على تغيير الواقع الطبيعي والاجتماعي غير الثابت بالأساس، ولذلك فالوعي هو وعاء المخزون المعرفي، الذي يحمل قي طياته آليات التغيير (التطور)، أي أن الوعي ليس مجرد حاوية للمعرفة، إنه طاقة التغيير! وبالتالي لا يجوز وصف أحد مظاهر الوعي (اللغة) على أنها مجرد أداة للمعرفة، إنها المعرفة ذاتها في حالتها التطورية.
اللغة التي لا تساير الواقع المتطور يطلقون عليها في الصحافة والأدب «لغة خشبية»، فهي لاشك أنها لغة، ولكنها كاللوح الخشبي الأجوف وليست عديمة الفائدة وحسب، بل تجر المجتمع للخلف، حيث تنزع عنه المقدرة أو «الموهبة» للتقدم.
** **
- د. عادل العلي