بلاد العُرب أوطاني من الشام لبغدان
ومن نجدٍ إلى يمن إلى مصر فتطوان
حَلُمَ كثيراً واستمتع بحلمه ردحاً من الزمن، حلم ومعه العرب كلهم حين كانت القومية العربية في أوجّها، وكانت فيروز المسيحية تغني بكلمات الشاعر المسيحي سعيد عقل (غنيت مكة) بعيداً عن الطائفية بُعْد المشرقين قبل أن تتخطى كل الخطوط وتحتل الصدارة داخل أروقة البيت الواحد بفعل فاعل! حينها كان يراهن على نخوة العرب التي لم تُفقد وسط زحام المصطلحات الدينية التي استُغلت شرّ استغلال!
لم يكن فخري البارودي على علم بمستقبل يباع فيه الوطن بشعارات ممزوجة بسخف القول ونشرات كاذبة يوزعها الباعة على رصيف الساسة ومقاهي الكلام الممضوغ، وقد أخذ العهد عليهم ألا يفرقهم حدود أو دين ما داموا أصحاب لسان واحد:
فلا حدٌّ يباعدنا ولا دينٌ يفرقنا
لسانُ الضاد يجمعنا بغسان وعدنان
ولكن حين تتلبد غيوم العقل يستقر فيه الحمق أحياناً فتحجبه عن التفكير المنطقي ومصلحة البلاد والعباد فيستمر كما كان أحمقاً لا نفع فيه!
للأسف حين يضع البعض نفسه بيدقاً وهو يعي ذلك ويجعل من لا ينفعه مكان الرخ فيكون دائماً هو القربان الذي يسقط سريعاً!
في العرف الإنساني قد يتجاوز المرء عن بعض الخصال التي قد يتنازل عنها مرغماً بجبلّته التي فُطر عليها، وهذه قد تكون من خصوصياته وإن عيب عليه، ولكن تبقى كثير من الأعراف والخصال تحدد هويّات مستقبلية إذا استمرأ المرء عليها وتثير مخاضاً جدلية الهوية التي نبحث عنها بين غرف الدار المتعددة ثم تتشظى حتى يصعب على البعض إدراكها أو ماهيتها ونظل نتفقدها حتى في جيوبنا المنسية، لأن هناك من جعل نفسه صنماً يُوجه كيف ما شاء السادن فيفقد هويّته ومعه هويّة البلد العامر الذي جعله رئيساً.
ركب بساطاً مهترأ ضد ريح موسمية على أمل أن يحطّ به على بلاط قصر مشيد لا يبعد كثيراً عن مسقط رأسه لكنه عاد من نقطة البدء كصاحب نظرية الماء أخرج فيها زفيره كله دون أن يستنشق هواء حراً يثني عليه الآخرون بما يستحقه، تكبد عناء البطولة وهو منها بعيد وقد انتفخت أوداجه ورفع ذراعيه شاهراً عضلاته الاصطناعية وجلس على كرسي مستعار ليس بكفئ له فما كان من أصحاب الأمر إلا من اصطياده كالبعير الأجرب للقضاء عليه فخرج في جنح الظلام مستتراً حاملاً نياشينه ونجومه وقبعته التي منحها لنفسه ويُخوّف بها الغلمان والصبية فكان الجنرال المفقود في عتمة الظلام حين حُمل إلى خارج البلاد وقد حمل معه خيبة الأمل الكبيرة:
اليَوْم عهدُكمُ فأيْنَ الموعدُ؟
هَيْهاتَ ليس ليوْمِ عَهْدِكمُ غدٌ
الهويّة الضائعة ليست بطاقة أحوال يكون القلم الأزرق شاهداً وبفقدانها تنتهي بها صلاحيتك، وإنما هو اختلاط إيديولوجي قومي تكون الأرض برمالها مكوّناً طبيعياً وجزءًا لا يتجزأ من جسدك ليبقى دليلاً على وجودك الحقيقي وليس الوهمي المزيّف.
** **
- زياد بن حمد السبيت