يوسف المحيميد
لم تكن الإدارة الأمريكية موفقة في قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارتها إليها، ولقد حذرت المملكة مرارًا من اتخاذ هذه الخطوة غير المبررة أبدًا، وبما يعطل جهود السلام، حول أراضٍ فلسطينية وعربية محتلة في حرب 67، خاصة مدينة القدس أحد أهم الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، التي تدعمها قرارات دولية، وتحظى بتأييد دولي واسع، والدليل ما أعقب هذا القرار من ردود فعل دولية كبيرة.
ولعل أكثر ما يثير الدهشة مواقف بعض الكتّاب والمثقفين العرب من هذه القضية، وتندرهم على القضية الفلسطينية عمومًا، والتلميح إلى أن الفلسطينيين أنفسهم باعوا قضيتهم، مع أن الجميع يدرك أنها قضية العرب كونها بلدًا عربيًا محتلاً، وقضية المسلمين بوجود المسجد الأقصى، فضلاً عن أحقية الفلسطينيين في أرضهم وعاصمتهم المحتلة. صحيح أنه على مدى نصف قرن ظهر لهذا القضية من يتاجر بها ويدغدغ بها المشاعر العربية، خاصة ممن هم غير عرب، هؤلاء الذين يملأون المنابر ضجيجًا نهارًا، ويبيعون مواقفهم ليلاً بعلاقات مكتملة مع إسرائيل، فإيران تأجرت بالقضية الفلسطينية كثيرًا، أوعزت لميليشياتها في الدول العربية باتخاذ شعار الموت لإسرائيل شعارًا لها، لمعرفتها الجيدة بأن هذه القضية هي أكبر محرك لمشاعر ملايين العرب، وتركيا أيضًا فعلت مثلها وأكثر، واتخذت قضية فلسطين مطية للوصول إلى العالم العربي الحزين، وحتى بعض العرب الذين فتحوا قلوبهم قبل أبوابهم لقادة إسرائيليين، وفتحوا مكاتب تجارية إسرائيلية، وعقدوا اتفاقيات وصفقات معها. ولعل من يعرف تاريخ المملكة مع القضية الفلسطينية يدرك أنها منذ أن شاركت في الحرب ضد إسرائيل، وحتى مواقفها الأخيرة بالضغط على الإدارة الأمريكية، وبما تمتلكه من ثقل سياسي واقتصادي، للتراجع عن موقفها الأخير بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، بل والتدخل المباشر للملك سلمان بإزالة الإجراءات الأمنية الإسرائيلية حول مسجد الأقصى، وهي مواقف طبيعية لا مراء فيها، ولا تحتاج إلى ضجيج إعلامي مبالغ فيه، كما تفعل الدول الصغيرة، أو الدول الدخيلة على قضية فلسطين، ولن تتوقف بكل ما تمتلكه من مواقف ثابتة عن دعم القضية الفلسطينية، فهي من الثوابت في سياسة المملكة منذ عهد المؤسس، وحتى الآن، ساء على مستوى الحكومة أو حتى على المستوى الشعب، وما يهب به من تبرعات ودعم حين يتطلب الأمر ذلك.
فبرغم ما يحدث في العالم العربي من خيبات وتدخلات أجنبية في شؤونه، وعلى الرغم مما تطمح إليه إيران وغيرها من أطماع سياسية واضحة ومعلنة، وعلى الرغم من الضياع العربي الكبير الذي نعيشه منذ خريفه الحزين، تبقى فلسطين قضية هذا العالم العربي، والقدس محورها.