علي الصراف
ما الذي يجعلُ الإرهابَ إرهابا؟
بين صفات مشتركة كثيرة، من قبيل القتل العشوائي، التكفير الجماعي، والتفجيرات الموجهة ضد المدنيين، ...الخ، فإنه على وجه الخصوص «عابر للحدود»!
ولئن كان الإرهابيون جميعا يتبنون «قضايا» عريضة عابرة للحدود وللشعوب، فلأنها من السطحية بمكان بحيث أنها لا تأخذ بالاعتبار ما قد يختلف فيه الناسُ والدول. حتى ليبدو أمرُ تلك القضايا وكأنها آلة قتلٍ عمياء لا تميّز بين أحدٍ وأحد. الكلُّ في الموت سواسية، بما في ذلك الأطفال والنساء والشيوخ.
لا بل أنهم لا يعترفون بوجود دول أصلا. ولا بكل الاعتبارات والقوانين والشرائع والقيم التي تنظم العلاقة بين دولة وأخرى، أو بين شعب وآخر.
انظر في مفهوم «تصدير الثورة» لنظام إيران، وسترى بوضوح أنه «عابر للحدود»، وأنه (مثل الجماعات الإرهابية الأخرى) مليشياوي، وأنه أعمى تماما عندما يقوم بتشغيل آلة القتل الجماعي، لأنه ينطلق من دوافع شمولية لتكفير وتجريم الآخر، وعلى نحو مسبق.
انظر أيضا في طبيعة التنظيمات التي ترعاها إيران، وسترى أنها لا تحترم دولا، ولا تهمها أعراف ولا قوانين. وأن أعضاءها «مجرمون بلا حدود»، يمكنهم أن ينتقلوا من لبنان إلى سوريا، وأن يقاتلوا في العراق أو اليمن، أو يقوموا بأعمال القتل والتفجيرات في أي مكان آخر في العالم.
والعالمُ كله مفتوحٌ أمامهم. وكله مسرحٌ لعملياتهم. وكلُّ شيءٍ جائزٌ فيه. ولا توجد حدود، لأنه لا توجد شرائع، إلا شريعة الغاب التي يفترض الإرهابيون أنهم من خلالها يستطيعون أن يملوا إرادتهم على جميع الأمم وجميع الشعوب وكل الدول. لماذا؟ لأن لديهم «قضية» مقدسة أرفع شأنا في نظرهم (كأي مجرمين آخرين) من أي قيم أو قوانين.
إنهم نموذج خالص، لمعنى الجريمة المطلقة.
وعندما ترعاهم إيران، باسم «تصدير الثورة» أو لتوسيع دائرة «المشروع الطائفي»، وعندما تزودهم بالمال والسلاح لتمويل أعمال القتل والجريمة والتخريب والاستيلاء غير المشروع على المقدرات العامة، فإنها تُنشئ بذلك قاعدة للأعمال الإرهابية لا تماثلها أي قاعدة أخرى.
وليس تنظيم القاعدة أو داعش، من حيث التسليح والموارد والإمكانيات، إلا قطرة في بحر الإرهاب الذي تسبح فيه إيران.
أحد أهم أوجه الخطورة في المشروع الإجرامي الإيراني، هو أنه مُولّد بطبيعته لمشاريع إجرامية مماثلة أو مضادة تعمل كرد فعل. فعندما تصبحُ الجريمةُ هي نمط العلاقات السائدة في أي مجتمع، فإن من النتائج الطبيعية أن يتحول التفسخ إلى مستنقع تحتشد فيه كل عوامل الجريمة الأخرى ومن كل اتجاه، وعلى نحو عشوائي تماما كعشوائية أعمال السحق والقتل والتمييز والتهميش على أساس طائفي.
وثمة من المبررات ما يُقنع العاقل بأن نظاماً إرهابياً، كالنظام المؤسس للإرهاب في إيران، يشكل خطرا أكثر جسامةً، وأكثر وحشيةً وتدميراً من كل ما تهدد به كوريا الشمالية لاستقرار العالم.
الكور-شماليون، لا يدعمون مليشيات في دول أخرى.
والكور-شماليون لا يزوّدون عصابات في الخارج بأسلحة ولا بصواريخ للاعتداء على دول أخرى.
والكور-شماليون لا يموّلون عصابات جريمة للقتل العشوائي أو لغسل الأموال أو لتهريب المخدرات.
والكور-شماليون، لا يتبنون نظرية لتصدير ثورتهم. (ليس على أرض الواقع).
والكور-شماليون، لا يسعون إلى التمدد من خلال جماعات تمارس أعمال النصب والاحتيال أو الخداع باسم الدين ولا باسم الأيديولوجيا.
والكور-شماليون لا يفخرون بجرائمهم، ولا يدّعون أنهم يسيطرون على قرار عواصم أخرى.
والكور-شماليون لا يدعمون جماعات قتل ضد الأبرياء على أسس طائفية، أو لأخذ الثأر ممن لا علاقة لهم به.
والكور-شماليون يكتفون باضطهاد شعبهم، ولا يضطهدون شعوبا أخرى في الجوار.
والكور-شماليون ليس لديهم جيش قائم بذاته (مثل الحرس الثوري) لتصدير مجرمين بلا حدود.
أما القنبلة النووية التي يملكها الكور-شماليون، كتهديد، فإنهم لم يستخدموها بعد. في حين أن إيران فجّرتها في ثلاثة مجتمعات عربية (كقنبلة طائفية) وأدى تفجيرها إلى ملايين الضحايا، وإلى خراب أبشع بكثير من كلِّ خرابٍ عرفناه عن أي قنبلة نووية أخرى. وعدّاد الضحايا ما يزال يعدُّ المزيد من الجثث، كل يوم!