د. حمزة السالم
التجمل عند الرجل السوي هو من أجل جذب انتباه المرأة، لا انتباه الرجل. ولا يعني هذا فساد الرجل ولا نيته للفاحشة، بل هي فطرة سوية، فطر الله الرجل والمرأة على انجذاب أحدهما للآخر، والاهتمام بجلب انتباهه. وفي شيء من هذا يشير المتنبي بقوله: «إِذا كُنتَ تَخشى العارَ في كُلِّ خَلوَةٍ... فَلِم تَتَصَبّاكَ الحِسانُ الخَرائِدُ». وما تحسر الشعراء على الشباب إلا من أجل ذلك كقول أحدهم «رأيْنَ الغواني الشيبَ لاحَ بعارضي... فأعْرَضْنَ عني بالخدودِ النَّواضرِ/ وكنَّ إذا أبصرنني أو سمعنني... سعَيْن فَرَقَّعْن الكُوى بالمحاجِرِ».
فإن كان حب التجمل في الرجل فطرة سوية فهو في المرأة أضعافًا مضاعفة. والمرأة كلما زاد وتضاعف حب تزينها وجذب الأنظار إليها زاد اقترابها من فطرتها الأنثوية السوية في حب التجمل وجذب الانتباه والأنظار. وهذه الخصلة في الأنثى قد احتج بها الخالق سبحانه على المشركين كأمر معلوم، لا يخالف فيه إلا أحمق أو مجنون، قد رُفع عنه القلم؛ إذ قال سبحانه في كتابه مستشهدًا بهذه الفطرة في المرأة {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ...}، ثم اتبع سبحانه ذلك فاستشهد بأنها لا تُحمل كثيرًا من الخطأ والمسؤولية، فأكمل الآية سبحانه فقال عنها {... وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}.
فقد كان دحية الكلبي - رضي الله عنه - من أجمل الخلق. روى الذهبي في سير أعلام النبلاء: «في حديث ابن عباس: كان دحية إذا قدم، لم تبق معصر إلا خرجت تنظر إليه. والمعصر: التي دنا حيضها، كما قيل للغلام: مراهق، أي راهق الاحتلام...». ثم قال الذهبي: «ولا ريب أن دحية كان أجمل الصحابة الموجودين بالمدينة، وهو معروف؛ فلذا كان جبريل ربما نزل في صورته». وقال الزمخشري: «وكان دحية مفرط الجمال، وكان جبريل عليه السلام يأتي في صورته». فهذا جبريل عليه السلام كان لا يظهر للناس إلا على أجمل صورة رجل عرفتها أعينهم، وما كان جبريل عليه السلام مُخيرا بل مَلَكا مُسيرًا من رب العالمين، خالق الخلق، وفاطر الفطرة البشرية.
{وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} فهل يُلام نبي الله يوسف الصديق على أن تحرشت به امرأة العزيز؟!! أم أنه كان مستحقًا للسجن تعزيرًا بأنه فتن النسوة بجماله عليه السلام {... فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ...}؟!! أم أنه كان من الواجب عليه أن يحتجب أو يتلثم أو يشوه نفسه لكي لا يفتن النساء؟
فأين هي ثقافة المسلمين اليوم من هذه الفطرة والحقيقة التي لا ينكرها إلا أحمق أو مكابر. وقد تراهم يحتجون بالشرع فيحطون من قدر المرأة في تحملها للمسؤولية وفي عقلها وفي حكمتها، ثم إذا ما تجملت المرأة اتُّهمت في عرضها وشرفها ونيتها. وإذا ما تُحرش بالمرأة أو أوذيت أو اغتصبت اتُّهمت بالمسؤولية وعوقبت!
فيا لله كم من جرائم شرف سُكت عنها من جراء ذلك. هذا أمر تُجوهلت فيه فطرة الخالق، وأُعرض فيه عن العبرة من يوسف عليه السلام، وعن إقرار نبينا لدحية، وعن مباركة رب العالمين لهذا الإقرار بإرسال جبريل على صورته باتباع البعض للساقط واللاقط من الآثار - عقلاً أو مناسبة أو مكانة أو سندًا - كأثر نفي الفاروق لنصر بن حجاج لجماله، الذي إن صح فلا يحتج به أمام إقرار الرسول ورب العالمين لدحية رضي الله عنه.