حمّاد السالمي
* جاء قرار الإدارة الأميركية الأخير بنقل سفارتها من تل أبيب عاصمة الكيان الصهيوني، إلى مدينة القدس المحتلة، ليوقد نار الغضب من جديد في الشرق الأوسط.
* القدس كانت منذ سنة 1967م؛ وهي محتلة. حالها حال بقية مدن الأرض الفلسطينية. لا جديد في الأمر، إلا أن هذا القرار من الدولة الوسيطة الكبرى في القضية الفلسطينية؛ يعني اعترافها رسميًا بالقدس عاصمة للدولة الصهيونية، وهي التي كانت طيلة خمس وخمسين سنة، مدار حوار لحل إشكالية المشترك الديني الثلاثي فيها: (الإسلامي واليهودي والمسيحي). وظل الفلسطينيون يسعون لأن تكون القدس الشرقية هي عاصمة لدولتهم التي شطرها الخلاف بينهم إلى شطرين: ضفة غربية، وغزة.
* يأتي هذا الانعطاف الخطير؛ في ظرف صعب جدًا في المنطقة، فالقدس ليست هي العاصمة العربية الوحيدة المحتلة. هناك أربع عواصم عربية تفتخر إيران وتجهر بأنها تحتلها وهي: (بغداد، ودمشق، وبيروت، وصنعاء)..! فهل يصبح الطريق إلى تحرير القدس عبر هذه العواصم الأربع..!
* من أوصل المنطقة العربية إلى هذه الحالة من الهوان والضعف؛ إلا ملالي إيران وأذنابهم وأتباعهم من العرب المخدوعين بخطابهم العنصري في أكثر من قطر عربي، وخاصة في جنوب لبنان، وفي اليمن وغزة..؟!
* وفي غمرة الحماس والغضب الحاد الذي عمّ كل الأرض العربية، فتوجه بفعل فاعل لاستغلال الحالة من أجل مهاجمة السعودية ودول الخليج ومصر كما تريد إيران وقطر وحزب اللات وحماس.. فهل بين الفلسطينيين بالذات من عقلاء يبحثون في من هو المتسبب الحقيقي في هذا المشكل.؟ هل هي السعودية ودول الخليج ومصر كما يقول أزلام نصر اللات وإعلام قطر وأبواق طهران..؟ أم هم أولئك الذين أشعلوا فتيل الحرب في أكثر من قطر عربي لإشغال العرب في أنفسهم..؟!
* أما الآن بعد الذي حدث. من أولى العرب والمسلمين باتخاذ مواقف جادة حيال القرار الأميركي بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس لتصبح الأخيرة عاصمة لدولة إسرائيل.. أهم المطبِّعُون مع إسرائيل؛ فلهم معها سفارات ومباحثات ومجالسات ولقاءات، ومكاتب تنسيق وتعاملات تجارية..؟ أم هم أولئك العرب والمسلمون الذين لا تربطهم بإسرائيل لا لقاءات ولا سفارات ولا مكاتب تمثيل ولا مصالح بأي شكل كان..؟!
* القدس العربية وقبلة المسلمين الأولى؛ أضحت عاصمة لكيان صهيوني يغتصب الأرض الفلسطينية بقرار أميركي. فماذا أنتم فاعلون يا (تجار الكضية الفلسطينية)، الذين يناضلون في القنوات الفضائية، ويتبادلون السفراء والمصالح مع إسرائيل على الأرض. ها هي القدس تناديكم. أرونا ماذا أنتم فاعلون.
* أكبر المتاجرين بالقضية الفلسطينية إيران الصفوية. إيران ترفع شعار القدس ومحاربة الشيطان الأكبر في العلن منذ أربعة عقود، لكنها تفعل في الخفاء ما يردع عنها خطر هذا الشيطان وغضب وصيفته إسرائيل. وتركيا أردوغان لها علاقاتها السياسية والاقتصادية والتجارية، ولن تقدم للقضية وأهلها أكثر من المظاهرات المفتعلة والكلام.
* مثل إيران وتركيا؛ فإن حزب الله الذي هو فرع إيران في لبنان، والحوثيون الذين هم فرعها الآخر في جبال اليمن، ليس لديهم أكثر من شعارات من مثل: (الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل)، لن يجرؤ حزب اللات في جنوبي لبنان ولا أنصار الشيطان في اليمن، على إطلاق رصاصة واحدة على جندي إسرائيلي أو أميركي. هذا إذا لم يكن لهم علاقاتهم السرية مع إسرائيل، ذلك أن الشعارات الكبيرة المعلنة ضد إسرائيل وأميركا بالذات، غالبًا ما تخفي وراءها ما هو أكبر، من أسرار التحالفات التي تبقي هاتين القوتين على الحياد في مواجهة العربدة والعبثية الممارسة من حزب الله والحوثة في المنطقة.
* لماذا نذهب بعيدًا وأصحاب (الكضية) أنفسهم يعترفون بإسرائيل، ولهم معها معاهدات ولقاءات ومباحثات علنية. منظمة حماس الذنب الثالث الصفوي في المنطقة العربية، يزايد على علاقة الفلسطينيين بإسرائيل تناغمًا مع سياسة الإتجار والتكسب التي تمارسها طهران لتحقيق أهداف أخرى في أكثر من قطر عربي. ودول عربية أخرى ضحت في عدة حروب من أجل هذه القضية التجارية مثل مصر والأردن، لها سفارات وتعاملات مع إسرائيل. ودول عربية أخرى بعيدة عن إسرائيل لكنها تعترف بها وتتبادل معها التمثيل التجاري مثل دولة قطر..!
* السؤال الآن: ماذا أنتم فاعلون يا تجار قضية فلسطين والقدس؛ بعد هذا التحول الذي كرس الشرعية الصهيونية للقدس العربية..؟!
* هل تفعلون شيئًا.. أي شيء ضد الشيطان الأكبر ووصيفته إسرائيل، يا أهل العمائم السود في طهران..؟! وهل تفعلها يا أردوغان فتقطع علاقاتك الحميمة مع إسرائيل..؟! وهل توجهون الموت لأميركا وإسرائيل يا حزب اللات في لبنان وأنصار الشيطان في اليمن..؟! وهل تجرؤ قطر على غلق المكتب الإسرائيلي في الدوحة، ثم يخرج إخونجيتها برئاسة القرضاوي من قصورهم في الدوحة وإستانبول ليدينوا القرار.. فقط يدينوه من جزيرتكم الكذابة..؟!
* هناك دول عربية وإسلامية كثيرة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية؛ ليس لها علاقات ولا مصالح مع إسرائيل، ومع ذلك كان لها مواقفها السياسية المعلنة والرافضة لهذا القرار المكرس للسيادة الإسرائيلية على القدس، وهي مواقف تنطلق من مباديء راسخة لم تهتز ولم تتغير منذ قيام الكيان الصهيوني. ورغم كل ما يلحقها من إساءات وبذاءات من (أهل الكضية) أنفسهم..! فهل يطلب من هذه الدول أن توجه جيوشها نحو الأرض المحتلة، وأهل الأرض أنفسهم يسبحون بحمد الملالي ، ويعيشون على شعارات: (الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل.. الموت للشيطان الأكبر)..؟!
* ما الفرق بين من رهن وطنه، وفرط في أرضه وعروبته، لإيراني أو صهيوني أو أي كان، سواء في لبنان، أو في اليمن، أو في قطر، أو في فلسطين، أو في سورية، أو في العراق..؟ رحم الله شاعر فلسطين الكبير الذي قال قبل سبعين سنة:
باعوا البِلادَ إلى أعدائِهمْ طمَعاً
بالمالِ لكِنَّما أوطانَهم باعوا
قد يُعذرونَ لو أنَّ الجوعَ أرغمهم
والله ما عطشوا يوماً ولا جاعوا
وبلغة العار عند الجوع تلفظها
نفس لها عن قبول العار رداع
تلك البلادُ إذا قلتَ اسمُها وطنٌ
لا يفهمون ودون الفَهْم أطماعُ
أعداؤنا منذ كانوا صَيارفةٌ
ونحنُ منذ هبطنا الأَرضَ زُرَّاعُ
لَمْ تَعكسوا آيةَ الخلاَّقِ بل رجعت
إلى اليهودِ بكم قُربى وأطباعُ
يا بائعَ الأرضِ لم تحفِلْ بعاقبةٍ
ولا تعلَّمتَ أنَّ الخصم خدّاعُ
لقد جنيتَ على الأحفادِ وا لهفي
وهم عبيدٌ وخُدَّامٌ وأتباعُ
وغرك الذهبُ اللماعُ تُحْرزُهُ
إن السَّرابَ كما تدريه لمَّاعُ
فكَّرْ بموتكَ في أرضٍ نشأتَ بها
واتركْ لقبركَ أرضاً طولها باعُ