فضل بن سعد البوعينين
بالرغم من القرار الملكي الكريم القاضي بعدم البناء على الشواطئ بعمق 400 متر، إلا أن مخالفات البناء والتملك، والاستثمار ما زالت قائمة حتى الآن. بل إن بعض الشواطئ العامة تحولت إلى أملاك خاصة بعد أن قامت بعض الأمانات والبلديات بتمليكها لذوي النفوذ والملاءة المالية، وحرمان عامة المواطنين منها. تحولت بعض المدن الساحلية إلى مدن معزولة عن بيئتها البحرية بسبب الأملاك المحدثة، فمدينة الجبيل على سبيل المثال لا الحصر، والتي كانت تطل على البحر من جهتي الشرق والشمال، تحولت إلى مدينة معزولة عن البحر بعد أن أسهمت البلدية في التنازل عن شاطئها الشرقي الذي لا يتجاوز طوله 1800 م وتخصيصه لمواطنين دون وجه حق، حيث تحول جزء منه إلى مجمع سكني استثماري مخصص للأجانب، ومحاط بسياج خرساني استقطع جزءاً مهماً من الشارع الرئيس، فيما تبقى الجزء الأخر مهملاً لكونه «أملاك خاصة» بدلاً من تحويله إلى كورنيش عام يخدم المواطنين. يبدو أن أمر تمليك الشواطئ أستُنسخ في حي الحمراء في الجهة الجنوبية من مدينة الجبيل، الواقع بين تحلية المياه ورأس الغار، حيث تعرقل مشروع الكورنيش والطريق البحري المقترح بسبب معضلة «الأملاك الخاصة».
وفق تصريحات سابقة نشرت في أبريل العام 2007 أكد الرئيس السابق لـ«الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة»، «أن 96 في المائة من الأراضي البحرية في السعودية مملوكة»، أي أن ما تبقى منها للمواطنين لا يتعدى 4 في المائة من مجمل الشواطئ، وهو ما توصلت إليه اللجنة الرباعية المكونة من وزارة الشؤون البلدية والقروية ووزارة البيئة والمياه والزراعة والهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة وحرس الحدود، والتي شكلت للحفاظ على أراضي الشواطئ البحرية في السعودية وتفعيل المرسوم الملكي الذي يقضي بعدم البناء على الشاطئ مباشرة في حدود 400 متر.
تتولى الحكومات، في جميع دول العالم، حماية شواطئها من الاستغلال، وتمنع تَمَلُّكها، أو البناء عليها، أو استثمارها إلا بما لا يؤثر على طبيعتها ويُحقق المصلحة العامة، وتتولى البلديات مسؤولية تطويرها، والمحافظة عليها من التعديات، أو الاستغلال. أما في مدننا السعودية فقد أسهمت بعض الأمانات والبلديات، من خلال مسؤوليها، في نقل تبعية الشواطئ من الملكية الحكومية العامة إلى الملكية الخاصة، دون مراعاة لحقوق الدولة والمواطنين، وحاجتهم للشواطئ المفتوحة والواجهات البحرية الجميلة، وأكثر من ذلك، اشتراك بعض مسؤولي الأمانات والبديات في اقتسام مُلكية الشواطئ التي أسهموا في نقل ملكيتها لبعض المتنفذين.
ملف التعديات وتملك الشواطئ في حاجة ماسة للمراجعة الدقيقة من قبل اللجنة العليا لمحاربة الفساد التي أعطيت كامل الصلاحيات من خادم الحرمين الشريفين واكتسبت ثقة المواطنين لجهودها المباركة، واستعادة أموال الدولة وأراضيها المنهوبة، وأن يكون من أولوياتها وأن تتوسع في جميع محافظات المملكة الساحلية، لتعيد الشواطئ المنهوبة إلى ملكية الدولة كي تتمكن من تحويلها إلى شواطئ مفتوحة للعامة، لا شواطئ يحتكرها الخاصة والمستثمرون.
شواطئ المملكة في حاجة ماسة إلى مُراجعة مُلكياتها، وحمايتها من التعديات، واستقطاعات المُلكيات الخاصة، واستثمارات النُخبة التي استقطعت أجزاء مهمة من منها، ما جعلها حكرًا على الأغنياء من دون العامة والفقراء، وهو أمر لن يتحقق إلا على يد اللجنة العليا لمحاربة الفساد، القادرة على نزع الشواطئ من ملاكها الحاليين وإعادتها لملكية الدولة ومن ثم تطويرها وفتحها لعامة المواطنين.