د.ثريا العريض
تابعت، بحس زرقاء محملة بهموم أمن الوطن، خطاب خادم الحرمين مبتدئًا السنة الشورية الجديدة، متوقعة مضمونًا يوضح كالمعتاد منجزات الوطن في العام الأسبق، والتوجهات القادمة على الجبهتين الداخلية والخارجية سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.
الجديد أن 2017 حملت لنا مستجدات مثيرة قارعت فيها القيادة تحديات نواحٍ كنا نراها شبه مستعصية من الضغوط المتراكمة: اجتماعيًا، في محاولة حازمة لوقف التطرف، وإعادة الجو العام إلى الوسطية والاعتدال، الحالة الطبيعية التي عرفناها ما قبل مرحلة الغلو وارتهان المجتمع لتحكم فئات متطرفة؛ واقتصاديًا، لإنقاذ الاقتصاد الوطني الذي لم يعد ممكنًا أن يعتمد على سياسة المصدر الأوحد للدخل الوطني مختزلاً في استخراج وتصدير النفط الناضب، ولا على السياسة الريعية في تحمل الحكومة كل تكاليف الوطن؛ واجتماعيًا لوقف تآكل الأخلاقيات إِذ تسوست بالتهاون المجتمعي وترسخ ثقافة عامة هادمة تتقبل التجاوز في أخلاقيات المسؤولية، حتى أمسى السائد العام التسامح مع التسيب والأنانية الفردية والفساد المالي والإداري وانعدام الذمة لدى البعض. كل هذا جعل من فرض رؤية التحول الاقتصادي، ومكافحة الفساد أمرًا ضروريًا.
من هنا جاء الخطاب مركزًا على التأكيدات التالية: «نواجه الفساد بعدل وحزم لا ينال من نزاهة الشرفاء، ونتمسك بالوسطية سبيلاً والاعتدال نهجًا كما أمرنا الله، ونمضي على طريق التنمية والتحديث. لا موقع لمنحل ولا متطرف بيننا. وسنعزز تمكين المرأة من المشاركة في التنمية وصناعة القرار. رؤية 2030 تحمل خططًا وبرامج تنموية لمستقبل واعٍ، الحمد لله العجز المالي تراجع، ونتوسع في عدد من البرامج ومنها الإسكان».
وغير ما يختص بإعادة التوازن لمكونات الداخل، الأحداث المستفزة والمفاجئة من خارج الوطن لامست مواقع اهتمام حساسة لدى كل مواطن لتجعله يترقب الخطاب الملكي كي يوضح له ما سيتخذ من تغيرات في وجهة المسيرة استجابة لهذه المستجدات. وجاء الخطاب بالرد، بالذات فيما يتعلق بمسيرة البحث عن حل وسلام في فلسطين حاملاً توضيح موقف المملكة: «استنكار شديد لتوقيع الرئيس الأمريكي قرار اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة الولايات المتحدة إليها. والمطالبة أن تكون القدس عاصمة لدولة فلسطين» ما يطمئن المواطن ليس فقط السعودي بل العربي المخلص لعروبته مؤمنًا بأن هوية القدس ليست قابلة للتفاوض ولا التغيير والتهويد».
وكذلك ما يختص بنشاط التحالف ضد التدمير الإيراني الحوثي لليمن: «عاصفة الحزم وإعادة الأمل لم تكن خيارًا، بل واجب علينا لحماية سيادة الجوار واستقرار الأمن».
كان الخطاب رسالة مباشرة أن الولاء للقضية هو إيمان ثابت بحق فلسطيني عربي لن ينسى. وأن الأمن بكل متطلباته ماديًا وفكريًا لا يتأكَّد إلا بإيمان الجميع بقيم الانتماء والعمل والصدق وتطبيقها في الممارسة.
تحية تقدير لرقي مرئيات الخطاب وأسسه، إِذ طمأننا بأن مستقبل الوطن تحميه وتضمنه الأيدي الأمينة القادرة على تثبيت الاستقرار بمواجهة المترصدين على كل الجبهات، وتحقيق الرؤية المتفائلة بوطن مثالي يحتفي بما يسعده، خاصة ما يتعلق بموقع المواطن والمرأة في المجتمع، وتمكين الكل بصورة مترابطة من القيام بدورهم في بنائه بمحتوى فاعل وإيجابي.
كان خطاب وفاء وبعد نظر ونبل وحزم وعزم أرى تداعياته - كما أحدس بخلفيتي التخصصية في التنمية الشاملة - ستمتد إلى تحول المستقبل إيجابيًا، وتدعو للتفاؤل في كل زمن وموقع. وبالمنطلق نفسه أتوجه لسمو ولي العهد، عراب رؤية التحول والمشرف على تنفيذها، شاكرة ومقدرة: «أدعو بالتوفيق؛ قواك الله على تثبيت الأمن في الجوار والتوازن والاعتدال في هذا الوطن، وحماك، وكل المواطنين وحدود وطننا المترامية، من غدر المترصدين والمتضررين من ترسيخ الأمن والاستقرار.
رؤية زرقاء ترى التحديات.. وتصفق للحزم والعزم في مواجهتها.