عبدالعزيز السماري
مما لا شك فيه أن مكافحة الفساد المالي طريق رئيسي في إصلاح الدول وضمان مستقبلها، وقد كانت النهاية مأساوية للبلاد التي كان يحكمها فساد المسؤولين واستغلالهم لنفوذهم للإثراء الفاحش، وكما قيل إذا فسدت الطبقات العليا فسد المجتمع، وإذا لم تستمر عمليات مراقبة مختلف العمليات المالية بمجهر الرقابة العامة الصارم والدقيق على الجميع بلا تفرقة، فستعود الأمور على طبيعتها الأولى مع اختلاف الزمن والرجال..
الفساد مصطلح شامل ويُختزل في تعريف دقيق هو الإتلاف وإلحاق الضرر بالآخرين، ومن أهم تبعاته التدهور الأخلاقي، وإذا وصل الفساد إلى الطبقات العامة فسدت الأخلاق، وأصبح شرف العمل ونزاهته مفقوداً، وبالتالي تنهار مؤسسات الدولة، ويُصبح الفساد وطرائقه المتعددة المشرع والمنظم والحاكم الأعلى لمصالح الدولة والمجتمع.
تنتشر قريباً من منظومة الفساد المالي أنواع فساد غير مرئية، ويأتي في مقدمتها الفساد الإداري والتلاعب بحقوق الموظفين، والوظيفة تعني توظيف للقدرات حسب بناء معطيات العمل وإنجازاته، والفساد الوظيفي يكمن في استغلال النفوذ للتلاعب بتلك المقدرات، ومصدرها أن الفاسد الإداري يعتقد أنه مطلق اليد في إدارة المؤسسة، وأن حقوق الموظف تعتمد على علاقته بالطبقات الأعلى، وليس على أداء الموظف وإنجازاته.
ولهذا يكتشف الموظف مع مرور السنين أن التوظيف ومنح الفرص كانت تحكمها تلك العلاقات التي تحكم طبقات الفساد المالي والمصالح الخاصة، بمعنى أنه تكون مهمة الإدراي الفاسد خالصة لخدمة تلك الطبقات وتلبية طلباتهم، وذلك بتوظيف أقاربهم، ومن يعز لديهم أو ترقيتهم إلى أعلى المراكز، وهي صورة فساد لا تختلف بأي حال عن صور استغلال النفوذ لسرقة أموال الدولة، بل تعتبر خلفيته الثقافية والاجتماعية..
في اتجاه آخر يستغل بعض المسؤولين نفوذهم للبطش بأولئك الذين يدخلون في خانة غير المحسوبين في تنظيم النفوذ المالي والإداري الأعلى منه، ومن صور الفساد الإداري المريرة أن يجند الفاسد إدارياً مختلف أروقة المؤسسة لإقصائه وتقزيم منجزاته، ثم ضرب حقوق الموظف المنصوص عليها في المراسيم السامية عرض الحائط.
لا يتوقف الأمر عند ذلك، ولكن قد يلاحقهم إلى خارج المؤسسة، إن حاول أحدهم استيفاء حقوقه الأساسية من المرجعيات المسئولة، ويزيد من الأمر سوءاً أن مرجعيات الهرم القضائي في الإدارات العامة، كانت تحكمها لجان شبه قضائية تحت سلطة المسئول، وهو ما يعني إمكانية التأثير عليها.
ما يفترض أن تقوم به نزاهة في حربها ضد الفساد أن تفتح قنوات الاتصال المباشر لتلقي قضايا الفساد الإداري، وقضايا استغلال النفوذ الإداري في التأثير على حقوق الموظفين، وكشف ملفات التحيز والفصل العنصري، والذي يظهر في حصر الوظائف والفرص الوظيفية، إما داخل دوائر العلاقات الاجتماعية، أو ضمن خلفيات اجتماعية قد تكون أحياناً أجنبية. .
يعتبر الفساد الإداري بمثابة الأب الروحي والراعي الرسمي للفساد المالي والأخلاقي والعنصري، هو ما يتطلب أن تتم مواجهته من الجذور، ومحاكمة أولئك الذين تجاوزوا قوانين البلاد واستغلوا نفوذهم للإيذاء بالموظفين أو العاملين في المؤسسة سواء كانت حكومية أو غير حكومية. .
باختزال شديد يمثل الفساد المالي نتاجا طبيعيا للفساد الإداري والوظيفي في أجهزة الدولة والقطاع الخاص، وهو ما يعني أن تستمر الحملة السامية ضد الفساد على مختلف جبهاته، وأن يتم التعامل مع الفساد من خلال نظرة شمولية ومحاسبة كل من استغل نفوذه لإيذاء موظف أو ظلمه أو حرمانه من فرص العمل أو لتوظيفه مقربين له، والله على ما أقول شهيد..