د. خيرية السقاف
سئلت لِمَ لَمْ أكتب عن «اللغة العربية» في يومها لهذا العام؟!!
وقرائي الأعزاء يعرفون -أحسب يقينا- موقفي من هذه الشعارات المكرسة بأيام..
لكن عندما سئلت ذلك قفزت فجأة « فلسطين» في ذهني !..
فلسطين, واللغة العربية, أليستا مثيلتين, وشبيهتين في الحالة؟!
فلسطين الأرض, والعربية اللسان!!..
بلى والله, إنهما الشبيهتان لا ريب!..
فالعربية لسان القوم حالها ليس بأفضل من حال «فلسطين» , تآمروا عليها واحتلوها..
نافت السنون عن نصف قرن, وعقد إضافي, والقادمة مثلها.., ولا يزال أهلها في عراك مسلح في كل يوم تطلع فيه الشمس فيها عليهم مع المحتلين..
وأمرها في المجالس, والرحلات المكوكية, والشعارات القومية, والهويات الدينية, من رأس أكبر دولة في العالم الذي أخيرا لوى عنق التاريخ, وغير مسار محور القضية بأعجوبة مبكية مضحكة , إلى أصغر أشم أصيل فتى بين أيدي وحدة إسرائلية مسلحة يقتادونه للسجن, ليس الأول, وليس الأخير والعمل سار وجار لتهويدها..
هذه «فلسطين» الورم المتنامي سبعة عقود من تاريخ الكتابة, والنياحة, والشجب, والرفض, والصمت, والشعر, والترمل, والموت, والهدم, والاغتراب, والنسيان, والسهو, والصحو, والبحر تمشي بموجه السفن!!..
وكذا حدث ويحدث في الزمن «الكوني» للعربية, اللغة التي أطَّروها بين أقواس احتلالهم, رشقوها بألسنتهم, قوضوها في أفواه أهلها, وأرضها, وحيث يتحرك طيف تسري في عروقه دماء انتمائها..وما بقي لها غير البحث, والكلام, وبعض حمية في عروق المختصين..والمبدعين..
وجه الشبه بين العربية لسان القوم, وفلسطين عضو الجسد, أن جسدها باختلاف أعضائه يساهم بنصيب الأسد في اغتيالها..
وكما لم يُجدِ كلُّ الذي كان, ويكون لتحرير فلسطين, فإنه لن يكون مصير العربية اللغة الأم بأفضل مما هو مصيرها..
فأهل العربية يحاربونها بأفعالهم, وينافحون عنها بأقوالهم, والأقوال دون الأفعال ليست إلا خيبات, وفراغ زُوَّادة, ونثر غبار في العيون !!..
لا يوم للعربية يجدي, لا كلامٌ منضود, ولا منبرٌ معقود, بل جدا, وجهدا, وجادة, بفرض عينٍ أن تكون لا غيرها لغة العلم ,والعمل, والنجاح, والاجتياز, والتقرير, والكشوف, والإعلام, والمثول, في الصغيرة, والكبيرة, في الإشارة والعبارة, في الشهقة, والزفرة..
فرض عين هي, الأولى قبل وبعد كل اللغات الأخرى, تخضع لها الألسنة والمعاملات جميع مؤسسات السياسة, والدبلوماسية, والاقتصاد, والعلوم, والطب, والهندسة, والتربية, والإعلام, والتعليم, والتواصل, تؤسس لحفظها, وتمكينها المراكز, والمؤسسات, وتُطوَّر وتُحدَّث فيها معاجمها, وقواميسها, ويشجع في مجالها مختصوها, وباحثوها, وتكون لغة الحضور في المحافل العالمية , والداخلية في الدول العربية جمعاء, الناطقة في محافل العالم عن قضايا أهلها, ومنجزهم, ومواقفهم, ومبادراتهم, تنبث في شرايين صغار أهلها, وكبارهم..
بهذا لعلها أن تنجو من اغتيالها, والإنجاز عليها, لتبقى, ولو ليبقى لها رمقها في الحياة العامة لا في الأضابير, والكتب, ولا بصوتها الخافت, اليتيم بين الصخب الراقص على جثتها لغيرها..
فإن أنقذت تعيش, وإن بقيت كما فلسطين في حال كربها المستديم, فلسوف تتسع رقعة الشق, فلسان الجيل كما ترون قد أحتل في عقر دورنا..
فما سيجدي إن كتبتُ أو لم أفعل..؟
وقد ذهبت كل الكلمات التي قلتها, وقالوها في شأن هذه المليحة الغراء اللغة العربية على مدى سنوات, وأخر مدرج الريح, وستأخذ هذه التي أقول, ويقولون مسراها في ضوء الواقع!!..