فوزية الجار الله
لم يحدث أن شاركت في مظاهرة بالصورة المتعارف عليها طوال حياتي لكن أستثني من ذلك ماحدث ذات زمن، فقد شهدت بأم عيني مظاهرة ضد إسرائيل في عام 2009م، حيث صادف وجودي هناك في تلك الفترة ، لأول مرة أشهد مظاهرة على أرض الواقع. خرجت أعداد هائلة تحت إشراف وتنظيم الشرطة البريطانية (اسكوتلانديارد) يهتفون لنصرة غزة، أذهلني المشهد حيث خرجوا فرادى وجماعات، كباراً وصغاراً، أتأملهم، هؤلاء مجموعة شباب أصدقاء وهؤلاء تبدو أعمارهم قد تجاوزت الخمسين، وهذه امرأة تدفع بعربة طفلها تتابعه بعينيها بين الفترة والأخرى وتهتف، هنا نساء وهناك رجال، تراوحت الهتافات ما بين بالروح بالدم نفديك يا أقصى وما بين غيرها من هتافات أخرى، كنت أسير بمحاذاة تلك الحشود على امتداد طريق (كوينز واي)، كان التنظيم مدهشاً حيث تكفلت الشرطة بإدارة حشود المظاهرة حفاظاً على التنظيم والأمن وتفادياً لحوادث محتملة، في نهاية الطريق قبل بوابة (الماربل آرش) شاهدت امرأة كبيرة في السن تضع الحب للحمام ، كان مشهداً تلقائياً لافتاً، كان الحمام يرفرف بأجنحته سعيداً حول المرأة، الحمام رمز المحبة والسلام الذي ينشده أولئك المتظاهرين.
خلال الأيام الماضية حزنت لخبر قرأته حول حرم الكاتب الراحل عبدالله الجفري، السيدة آمنة بنت أحمد الحبشي مضت إلى رحمة الله، رحمهما الله وغفر لهما وأسكنهما الفردوس الأعلى، وقد زاد أسفي وحزني أن الكاتب السعودي الراحل قد تقلص ذكره كثيراً عبر وسائل الإعلام بعد رحيله رغم أنه كان كاتباً يومياً دؤوباً، كان قاصاً وروائياً غزير الإنتاج والعطاء، لا أدري ما السبب هل انشغل الإعلاميون والمثقفون بما في ذلك أصدقاؤه وزملاؤه بتفاصيل الأحداث اليومية والمستجدات الحياتية؟! هذا أمر متوقع، لكن أتمنى أن يسعى أبناؤه إلى إحياء ذكره عبر نشر بعض من إنتاجه بين الفينة والأخرى عبر وسائل الإعلام أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت في متناول الجميع.
كان من المقرر أن أرافق جارتي في ذلك اليوم إلى المستشفى حيث ستجري عملية جراحية، لكن بسبب بوادر نوبة البرد الطارئة قامت بالمهمة جارتنا الأخرى التي صادف وجودها وحيدة في مسكنها هذه الفترة ومتفرغة من التزامات العائلة، اليوم هو الجمعة بقيت طوال اليوم وحيدة لم أتجاوز عتبة الباب، حيث استبدت بي»نوبة البرد»، بعد أن تحسنت قليلاً كنت في الطريق لزيارتها وقد حملت بيدي باقة ورد، لاحظت عدداً من العابرين يرمقونني بسعادة، ربما لأن الورد رمز للحب والتفاؤل والسعادة، كل منهم كان يتخيل حكاية حب استثنائية أو مشهداً إنسانياً أو عاطفياً خلف باقة الورد، كل يغني على ليلاه، وأنا أردد بيني وبين ذاتي (ياليل الصبر متى غده؟).