فهد بن جليد
لم تُعلن ميزانية عام 2018م يوم أمس فقط، فمُنذ عدة أيام والسعوديون يتحدثون عن هذه الميزانية بشكل مُختلف عن نظرتهم وأحاديثهم السابقة عن الميزانية في الأعوام الماضية وتفاصيلها، عندما كان الحديث بينهم يبدأ بعد إعلان الميزانية وإقرارها تعليقاً على الأرقام والمشهد العام المُعلن فقط، دون الغوص في تفاصيل مالية واستحقاقات قد لا يفهمونها أو يُجيدونها، ولكن الصورة اليوم تغيرت بفضل الشفافية التي انتهجتها وزارة المالية بنشر التقرير الربعي للمواطنين والمُراقبين لتقييم الأداء ومعرفة كافة التفاصيل، كأحدث أنواع الإفصاح المُعلنة والمُتبعة عالمياً في الاقتصادات الناجحة, عند الحديث مع الشعوب بشفافية وثقة عن الوضع المالي الذي تعيشه البلدان، وهو ما يبعث على الاطمئنان ويزيد من الثقة داخلياً وخارجياً.
استبدال السرية السابقة عن الميزانية بالشفافية وتوفر المعلومة طوال العام للجميع بوضوح من خلال المؤتمرات الصحفية الرُبع سنوية, مؤشر إيجابي يجعل المواطن يشعر بالثقة في طرح الميزانية الجديدة حتى لو لم يدرك حجم الأرقام وتفاصيلها، ومدى أثرها على التنمية، ولكن الشفافية في الطرح والمُراقبة والحوكمة وفي خطط وطنية جادة وعملية مُعلنة، يرفع من الأداء الحكومي لخدمة المواطن خصوصاً عند التوسع في تجويد الخدمات، وزيادة المشاريع التي يلمسها ويشاهدها المواطن ويتعامل معها في قطاعات الصحة والتعليم والبلديات، كأهم ثالوث يستحوذ على حوالي نصف الميزانية سنوياً، ولكنَّه هذا العام يأتي مُختلفاً ضمن برنامج الإصلاح ووفق رؤية 2030، كون الاعتماد المالي يعني التنفيذ الذي تقابله وترافقه الرقابة المُزدوجة في ذات الوقت من الجهات المعنية ومن المواطن نفسه الذي يعد الشريك في مراقبة الأداء، والمُستهدف الأول من وضع و نجاح الميزانية.
المواطن البسيط قد لا تعنيه الأرقام التي يشاهدها، وقد لا يفهم تفاصيلها بوضوح كامل مثل المُتخصصين, ولكنَّه هذه المرَّة بات أقرب للمشهد المالي، وشريك مباشر ومؤثر فيه بفضل ملامسة الميزانية أكثر لحياته اليومية، ولديه ثقة أكبر من أي وقت مضى في ترجمة هذه الأرقام الكبيرة إلى مشاريع صادقة وملموسة في توسع الإنفاق على البنية التحتية, إضافة للاعتماد بشكل واضح على الإيرادات غير النفطية، وهذا التحول في الإيرادات مع مراقبة الأداء المالي والنشر الدوري المستمر للبيانات، يعني زيادة الثقة في هذه التجربة الجديدة والفاعلة نحو التحول الوطني والبدء في برامج الرؤية الوطنية، لأنَّ هذه الأرقام توضع كل أربعة أشهر على طاولة النقاش والمُراجعة والإفصاح، أمام أعين المُراقبين الماليين المحليين والعالميين فليس هناك ما يتم إخفاؤه أو إدارته في السر, وهذا بحد ذاته مصدر فخر واعتزاز للمواطن السعودي الذي يثمن هذه الثقة والشفافية، قبل أن يكون مصدراً لثقة المستثمر الأجنبي, جعلها الله ميزانية خير ورفاهية للوطن والمواطن.
وعلى دروب الخير نلتقي.