م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1- «كنا» عائلة صغيرة.. كان ذلك قبل خمسين عاماً.. كنت وقتها في عامي العاشر حينما تفتحت عيوني ووعيت لمن حولي.. واتسعت دائرة معرفتي بأبناء عمومتي.. وتطورت علاقاتي خارج إطار عائلتي الصغيرة إلى أسرتي الأكبر (آل ماضي).. زاد قربي من أعمامي (الذين هم أبناء عم والدي) وصادقت من أبنائهم أقربهم منِّي سناً وكانا اثنين (صالح وجلال).. وتزاملنا سوياً في بعض مراحل الدراسة الابتدائية.. وعلى الرغم من صغر حجم عائلتنا في ذلك الحين فقد كنا قسمين: الجزء الأكثر من العائلة مستقر في قريتنا «حرمة».. والأقلية ارتحلوا إلى الرياض طلباً للعمل.. وكانت فقط أربعة بيوت هم: عمي جاسر المحمد «رحمه الله»، ووالدي، وأعمامي السعد.. وعمي أبو جلال الذي كان من أوائل من قدم للرياض من الأسرة.. وكان آنذاك طالباً في كلية الشريعة.
2- يروي عمي أبو سعد «محمد» أنهم وهم صغار كانوا ينادون بعضهم بـ»أخوي» وليس ولد عمي أو باسمه.. وكان من عادات عائلتنا الكبيرة الاجتماع في المناسبات والأعياد في مسقط رأس العائلة «حرمة».. كتقليد أسري عريق يعبر عن ارتباط وثيق بين أفرادها.. من هنا فأنا أتكلم عن: عمي أبو جلال من واقع معايشة لصيقة وليس من واقع عاطفة جياشة أو قرابة مجردة.
3- هناك سمات خاصة في عمي أبو جلال يعرفها الجميع عنه، منها أنه كالنسمة المنعشة.. كلماته رقيقة.. حضوره يجلله الهدوء والوقار والسكينة.. فهو شخص يُشْعرك بالاطمئنان ويشيع فيمن حوله جواً من السِّلْم.. صوته خفيض ومفرداته مثقفة.. فقد كان أول من حصل على الشهادة الجامعية من أبناء الأسرة.. وحيث أنه من أوائل من قَدِموا للرياض من أبناء الأسرة فقد استأجر بيتاً صار (ملفى) مأوى وملاذاً لعدد ممن زاروا الرياض من أبناء عمه وبعض من أبناء قريته.. فلم يكن حينها في الرياض فنادق أو شقق مفروشة.
4- عمي أبو جلال بقامته المديدة ونظارته السميكة وغترته البيضاء كان عنواناً للأناقة في الأسرة.. وكان - ولا يزال وهو يسبح في بحر الثمانينات من عمره - شديد الحرص على أداء الواجبات الأسرية والاجتماعية.. مع التزام كبير بالدفع نحو كل ما هو في الصالح العام.. وما دوره في تأسيس صندوق أسرة آل ماضي ومساندته لنشاطاته منذ عام (1405هـ) إلا أنموذجاً على مستوى تأثيره في محيطه.
5- فقد عمي أبو جلال ابنه الأكبر «العميد ركن: جلال» بتاريخ 19-3-1439هـ الذي هو صديق طفولتي وابن عمي وسَنيني.. وكانت صدمة كبيرة لأبناء الأسرة.. عزائي لعمي أبو جلال وأبنائه وأحفاده وحفيداته.. وللأسرة ولكل معارفه ومحبيه.. ودعائي للفقيد بالرحمة والغفران.. إنه جواد كريم.