د. جاسر الحربش
الداعي للطرح التالي هو بدايات تسلل تحفيزات لا أخلاقية في وسائل التواصل الإلكتروني تدس فكرة ملكية الجسد لصاحبه وأنه حر التصرف به. طال الزمن الذي اختلط فيه عندنا الاجتماعي بالشرعي وأقفل الباب في وجه الحريات الاجتماعية المباحة والضرورية للرجل والمرأة. الآن فتح الباب وأصبح من المتوجب على المجتمع بكل طاقاته ومؤسساته الحكومية والاجتماعية أن يتنبه لاحتمالات الجموح والجنوح في تطبيق مفهوم الحريات الشخصية وأعني الحريات الجسدية بالتحديد.
هذا الطرح ليس محاولة تثبيط للحريات الخاصة، بل محاولة حث على الاستعداد للخروج بأمان من مرحلة التنميط الاجتماعي المتسلح بالخلط بين فقه الدين وفقه العيش، وللتحذير من سوء فهم الحريات الشخصية على أنها متساوية في النتائج الصحية للجنسين فالتبعات البيولوجية للجميع سيئة لكنها ليست متساوية، رغم أنها للطرفين جموح أخلاقي وشرعي. التكوين البيولوجي له إملاءاته الصحية والاجتماعية، وكذلك هنا ليس الذكر كالأنثى رغم ضرورة التساوي في الحقوق المعيشية والحريات المرتبطة بها بين الرجل والمرأة.
لنفترض أن امرأة أخطأت مع رجل شاركها في الخطأ ثم تركها واختفى، وهي حملت جنينا من لقائهما الجانح العابر. النتيجة تكون أن مفهوم حرية التصرف بالجسد تحول إلى كارثة للمرأة منذ البداية، أما الرجل فينفذ بجلده بحثاً عن ضحية أخرى وحسابه عند الله. الحمل السفاح وما يترتب عليه من مغامرة بالحياة لإسقاطه، أو تحمله حتى ظهوره للأهل والناس، ثم التخلص منه عند أقرب مسجد أو الهروب معه وبه إلى مكان بعيد، هذه كلها تبعات اجتماعية وبيولوجية كارثية للأنثى بخلاف الذكر بسبب اختلاف التكوين البيولوجي. الأمر من الناحية الصحية أخطر في حالة انتقال المرض التناسلي وهي كثيرة في الممارسات غير الشرعية، والفارق البيولوجي في الجهاز التناسلي بين الجنسين يوضح الأمر. الجهاز التناسلي الذكري محدود المساحة مما يعجل بظهور أعراض المرض ويحد من صعوده إلى الداخل ويسهل علاجه عند الطبيب. بالنسبة للمرأة يختلف المسار بسبب اتساع التكوين البيولوجي المخلوق لاستقبال النطفة ولما معها، وسهولة صعود المرض إلى الداخل، ولذلك فالأعراض المرضية لا تظهر مبكراً مع بداية الإصابة، ويكون الانتشار للعدوى في مساحة واسعة والعلاج أصعب بكثير. هنا أيضاً يتحول التعلل الإباحي بمفهوم هذا جسدي لي وأنا حر التصرف به إلى كارثة بيولوجية مدمرة للأنثى أكثر من الرجل في الدنيا قبل الآخرة.
إذاً مرة أخرى، هل يشمل مفهوم الحريات الاجتماعية حرية التصرف بالجسد في الحلال والحرام كمكمل للحريات الشخصية؟. الجواب القطعي هو لا، فالعقاب الدنيوي البيولوجي يكون عادة أقل كارثية بالنسبة للرجل من المرأة. الجسد لم يخلقه الله للعبث الشبقي بما ركب الله به من غرائز جاذبة، وإنما للإنجاب التزاوجي المقنن وإنتاج أجيال معافاة سليمة لاستمرار الحياة.
أما بخصوص حريات المرأة المتضمنة في حريات الحركة والفكر والإنتاج والكسب المعيشي فهذه حريات لا تحجبها عن المرأة سوى المجتمعات الجاهلة المتخلفة.