محمد المهنا أبا الخيل
قال الله سبحانه وتعالى {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} فجعل القضاء هو الفصل بين الناس في حقوقهم وحقوق الله عليهم، لذا اختص الله سبحانه وتعالى القضاء بمرتبة عالية ومقدسة حتى أن الله سبحانه وتعالى على جلال قدره ونزاهة أمره، يتجرد فيه من فرديته المقدسة ويأتي بالنبيين والشهداء، وجعل البينة واضحة على من كان عليه حكم الله، والقضاء في الدنيا هو بعض من القضاء في الآخرة، فالله سبحانه جعل الشرائع ويسر الحكم لذوي الصلاح ليحكموا بالعدل والإنصاف، وجعل الله سبحانه القضاء منزها عن الزلل في ذاته، ولكن قضاة الدنيا من بني آدم، لا قدرة لهم لمعرفة الحق إلا بما يتوفر لهم من قرائن وأدلة وما تقودهم عقولهم للظن بأنه الحق.
في كثير من الشرائع القديمة والحديثة ومنها شريعتنا المقدسة وهي أجلها وأشرفها، جعل القضاء في خصومات الناس من أشرف المراتب، وأنتدب بالاختيار والتحصيل لمرتبة القضاء أشرف الناس جانب وأقدرهم عقلاً ووسيلة، وجعل في نظرهم مسؤولية معرفة الحق وحسم الخصومات، ولذا أصبح القضاة في كل مجتمع من أعز الناس منزلة وقدرا، ليس لشخوصهم وأصولهم، ولكن لما يرى المجتمع فيهم من عدالة القصد ورجاحة العقل ونزاهة الجانب.
معظم القضاة يقض الحدس، وسريع الوعي، وعالم بما في بعض نفوس الناس من حاجة للطمع والانتصار وحيازة المكتسبات، لذا يعمد القضاة في إجهاد الخصوم في التنازع وإظهار حججهم ومكنون مرادهم، والقاضي وهو يستعصر من الخصوم حقيقتهم يعتمد ما يقدمونه من أدلة مكتوبة أو مروية أومعقولة، لذا يعتمد القاضي مهما بلغ من العلم على إفادة الخصوم.
من أكبر تحيات القضاة هو بروز خصوم على قدرعال من الذكاء ورغبة في تضليل القضاء لاكتساب ما ليس بحق لهم، هؤلاء الخصوم لديهم حالة من الاعتداد بالنفس وقناعة بالقدرة الذاتية على تضليل القاضي وحصاره بوهم يشبه الحقيقة، من خلال التزوير والتدليس والمراوغة. والدافع لهؤلاء هو ضعف الحماية النظامية التي توفرها وزارة العدل والتي تحمي القاضي من التضليل والتدليس، وتجعل عملية القضاء بحد ذاتها محفوفة بظنية مجانبة العدالة.
تحدثت مع بعض القضاة وكثير منهم أبدى لي أن هناك سلوكا ينمو لدى بعض المتخاصمين في البحث عن ثغرات تهدف لتضليل القاضي والتحايل عليه لاستدراج حكم منه، وحافز هؤلاء الخصوم هو عدم وجود نظام صارم يحمي القاضي من الغش والتدليس، لذا وبهذا المقال أطالب معالي وزير العدل في الحث على وضع نظام صارم يحمي القضاة من الغش والتدليس والتزوير ويتعبر ذلك إهانة للقضاء، في كثير من الدول التي لا تحكم بالشريعة يعاقب مضلل القضاء بالسجن لسنوات طويلة، ونحن إن لم نهتم بهذا الأمر سيجعل كثيرا من ضعاف النفوس والمحتالين يهينون القضاء بما يفعلون.
لاشك أن معالي وزير العدل والقائمين على تنزيه القضاء يسعون بجد وجهد لحماية جانب العدالة وسيادتها فهي أساس الحكم.