علي الصراف
عندما تجعجع طهران باسم القضية الفلسطينية، يحسن بالمرء أن يلتفت الى بعض الحقائق التي تفسر نفسها بنفسها، حتى لتُغني الناظر عن التحليل.
من هذه الحقائق أن إيران لم تقدم ضحية واحدة على أرض فلسطين. ولا هي شاركت في أي حرب من الحروب التي خاضتها الدول العربية ضد إسرائيل. ولا قدمت مساعدات عسكرية لأي دولة عربية من أجل مواجهة إسرائيل، بل ولم تقدم أي نمط من المساعدات الأخرى في المسعى الرامي الى تحرير الأراضي العربية أو الفلسطينية المحتلة. ولا هي أطلقت طلقة واحدة ضد إسرائيل، حتى أنها لم تعاكس شرطي مرور فيها أصلاً. وعندما أحلت سفارة فلسطينية في طهران، (يوجد مثلها في كل الدول العربية وفي ثلاثة أرباع دول العالم)، فإنها لم تعترف من الناحية العملية بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، ولا تعاملت بإنصاف مع سلطته الوطنية، بل آثرت أن تدعم مليشيات ومنظمات من أجل إضعاف التمثيل الشرعي الفلسطيني، ومن أجل شق صفوف الفلسطينيين ودفعهم الى التناحر. ولولا دعم طهران للانقسامات فإنها ما كانت لتدوم كل هذا الوقت.
وعندما خاضت حرب الثماني سنوات ضد العراق، فإنها لجأت الى إسرائيل من أجل التزود بالسلاح والذخيرة. وما يسمى صفقة «إيران-كونترا» أشهر من نار على علم كدليل على التواطؤ الضمني بين إيران وإسرائيل.
ولئن كانت إسرائيل تجعجع بدورها لإظهار العداء لإيران، فإن الزيف فيه أكثر بكثير من الحقيقة، ذلك لأن التقاء المصالح بينهما أكبر من تقاطعات العداء. وكل منهما يستخدم العداء الظاهري للآخر كغطاء لأغراض أخرى.
وبدورها، فإن إسرائيل لم تطلق طلقة واحدة على إيران. وعندما شعرت بأن هناك تهديدات نووية ضدها، فإنها قصفت مفاعل تموز العراقي، وتركت كل مفاعلات إيران تعمل.
النظام الإيراني، الذي يتخذ من الإسلام ستارا مهلهلا له، هو بحد ذاته أكبر خدمة لإسرائيل لأنه بوجوده المجرد، وبطابعة المذهبي، يضفي مقدارا من الشرعية على مشروع «الدولة اليهودية». دع عنك ما يتسبب فيه من انقسامات ونزاعات طائفية وحروب أهلية. ونظام طهران يفعل ذلك ليخدم في الصميم تطلعات إسرائيل الاستراتيجية، التي تقوم على نظرية تقول: «إن قوتها تعتمد على إضعاف الآخرين». وهذا ما قدمته إيران على طبق من ذهب لإسرائيل بتدميرها لدولتين عربيتين كبيرتين: العراق وسوريا، حتى وقعتا على الركبتين ضعفا وتمزقا وسفك دماء.
ولكن ماذا بشأن النزاع بين إسرائيل وحزب الشيطان في لبنان، وقد أدى الى مواجهات دامية بالفعل؟.
هذا النزاع ليس له أي علاقة بفلسطين. لا من قريب ولا من بعيد. إنه أشبه بالنزاع بين مافيتين تتنافسان على النفوذ. والمافيات تتصارع فيما بينها بوحشية قد لا توفر شيئاً. ولكنه في النهاية نزاع على النفوذ.
إسرائيل لا تخفي أنها تريد أن تجعل من كل المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني، جزءا من مجالها الأمني. وفي المقابل، فإن حزب إيران في لبنان يريد أن يجعل من هذه المنطقة قاعدة انطلاق للهيمنة على كل لبنان، هذه هي كل القصة.
وعلى رغم الجعجعة، فإن حزب الولي السفيه، أكد مرارا وتكرارا أنه لا يريد أن يخوض نزاعا لا نهاية له مع إسرائيل. بل أظهر في مرات عدة أنه في مقابل إتمام سيطرته على الأجزاء الباقية من جنوب لبنان (مزارع شبعا)، (كنوع من الإقرار الإسرائيلي بنفوذ المافيا المضادة) فإنه مستعد لوقف كل أوجه النزاع مع إسرائيل، بل وإلقاء السلاح أيضاً.
أين فلسطين من كل هذا؟.
إنها آخر ما يشغل المافيا في طهران، كما أنها آخر ما يشغل فرعها القبيح في لبنان. ولكن لا تسنح لها أي فرصة، إلا وتجعجع، وكأنها أحرص من الفلسطينيين على قضيتهم.