الثقافية - محمد هليل الرويلي:
لا أصفى حسيسًا من شاعر وأرعى من رهف شعوريته ولا أجلى وأعلى من صوته حين ينداح ببواح الحقيقة رقيقة كانت أم غليظة هو هكذا صوته كقافيته يبنيها غزلاً مياسًا أو يزركش سجفها ضمرًا هجاءً ولا أعقل وأجبل من دهائه حين يتربع كحكيم بيده منسأة السنون يتلوا على أسفار التاريخ أية الواقع! الشاعر اليمني زين العابدين الضبيبي كان ذلك الحكيم والشاعر الذي تجلى في هذا الزمان شاهدًا على أن المشهد الثقافي والأدبي في اليمن يمر بأسوأ حالاته وذلك ناتج -كما يصف- عن حالة الاستحواذ الأحادية المغلفة التي تفرضها سلطة الأمر الواقع وما تسعى لتكريسه مؤكدًا على أن كل ذلك انعكس سلباً على المثقف والمشهد لينتج عنه حالة انزواء وموات كلي للمشهد الثقافي والأدبي بشقيه الرسمي والمجتمعي, وهو مالم يكن عليه قبل الأحداث السياسية الأخيرة التي قوضت السلطة الشرعية ومن ثم الحياة والسلام في المجتمع بشكل عام.
خطاب اليوميات في الشعر اليمني على الفيسبوك
ولأن الشعر أيضًا هو الجنس الكتابي الوحيد الذي يقاوم عوامل الزمن ويعبر الأزمنة والأمكنة أو ينبغي عليه ذلك، لأنه ليس تاريخا بل هو كتابة للحلم والواقع المنشود وليس الواقع الموجود, فقد صوب في السنوات الأخيرة كثيراً من الشعراء اليمنيين الشباب وجهتهم نحو صفحات (الفيس بوك) وهو ما يؤكده الشاعر والباحث عبدالعزيز الزراعي فجعلوها نوتة يوميات شعرية تعلق على الواقع والأحداث اليومية منتقداً إياها حيناً ومؤيداً لها أحياناً أخرى؛ سواء على المستوى الشخصي أو المحلي أو الإقليمي أو العالمي.
وأكد أيضًا أن المشكلة هنا ليست في الإنسان فالإنسان كائن متفاعل مع محيطه دوما، ولكن المشكلة هي هل ستحافظ القصيدة على ديموتها وخلودها؟ هل ستتأثر الكتابة الشعرية بذلك اليومي الاستهلاكي أم ستعبره وستتجاوزه؟ أي أفق جمالي سيصنعه هذا الخطاب اليومي؟ من هي الطبقة المؤثرة في مجتمع الفيسبوك والقادرة على صنع معايير للتقييم الجمالي وصنع ذائقة عامة للمجتمع؟ وإلى ماذا تحتكم هذه الطبقة في تحديد تلك المعايير؟
وأضاف: بعد طرح كل هذه التساؤلات: إننا حين نتأمل الخطاب الشعري اليمني على الفيسبوك نجد أول ما يواجهنا هو الكثرة المفرطة لما ينتجه وينشره الشعراء اليمنيون الشباب، ويستحوذ المضمون السياسي على جل تلك الكتابات، كما نجد ظهور أسماء كثيرة تتعاطى الشعر وبالمقابل قلة النقد والتمحيص لجودة تلك الكتابة.
كُتّاب اليمن سُكّان الفيس!
وأشار إلى أن هناك ثمة مؤثرات وعوامل جعلت اليمن من أكثر الشعوب العربية حضورًا شعريًا فيسبوكيًا، ومن تلك العوامل انعدام المنابر المسموعة والمرئية والمكتوبة في اليمن حالياً، من مهرجانات وصباحيات وصحافة وقنوات فضائية محلية... إلخ، الأمر الذي ألجأ معظم الشعراء إلى صفحات الفيسبوك بوصفها المتنفس الوحيد, أضف لذلك أن واقع الحرب والاضطرابات السياسية التي تشهدها اليمن هو الموجه الأبرز لجل الكتابات الفيسبوكية سواء كانت شعراً أم نثراً. ولأن المجتمع بكل أصنافه أصبح من (سكان الفيسبوك) وتساوت شروط الالتحاق فيه والنشر فإن من الطبيعي أن يكون معظم سكان هذه الحارة غير شعراء وغير متزودين بثقافة شعرية.
لكن نعود ونقول إن الجديد في الأمر أن الجمهور في الفيسبوك كما لو تم منحه فجأة حق الصعود للمنصة ونزع «المايكرفون» من يد الشاعر، فالكل أصبح يقول للكل بدون أي معايير جمالية أو أخلاقية أو سياسية أو دينية، متبنين المقولة الشهيرة (دعه يقول دعه يعبر). فتحولت تلك الأحاديث على الحافلات والمقائل, والأسواق, والخواطر الذاتية, واللعنات والشتائم.. كلها تحولت من نصوص شفوية تذهب في الريح إلى نصوص مكتوبة على الفيسبوك، وتظهر لك عنوة فتقرأها أنت المبدع ويقرأها غيرك مثلها مثل أي نص خالد للبردوني أو لدرويش أو لنزار قباني، وغيرهم.
وتابع: ولأن تلك اللعنات والخواطر والأحاديث أصحابها أكثر بكثير من الشعراء ذوي الأساليب الراقية فإن ظهورها على آخر المنشورات في صفحة أي شاعر ستكون أكثر من ظهور نصوص أصدقائه الشعراء المبدعين، ومن ثم فإن منابع تلقيه وصناعة موجهاته وملهماته ستكون هي أفكار هؤلاء العامة التي تبلغ إعجاباتهم ومتابعاتهم الآلاف، وسيعمل لاوعيه على محاكاتها بل لن تكون كتاباته إلا صدى لهم.
لاتنس أيضًا: لقد شكلت الاختيارات الثقافية وانتقاءات النصوص العالية للمقروء أهم ملامح التربية عبر تاريخ البشرية، فعلى سبيل المثال الحي نجد حين نعود عشر سنوات للخلف أن كل المكتوب في الصحافة والمؤلفات أو المسموع في الإذاعة والتلفزيون لا يمكن أن يكون إلا نصوصاً جيدة اختارتها هيئة تحرير من ذوي الخبرة والذائقة العالية، فتعمل تلك الهيئات على تهذيب الذوق العام فلا يتاح لك أن تقرأ إلا نصوصاً عالية الذوق أو يتوفر فيها الحد الأدنى من التقليد اللغوي السليم والجميل، ومن ثم لا يمكن أن تنتج كمتلقٍ مبدع إلا نصوصا تحاكيها جمالا أو تتجاوزها.
أما الآن فإنك كشاعر تدخل صفحة الفيسبوك فتجد أحدث المنشورات جلها ذا مضمونات تافهة ومكتوباً بلغة هشة ركيكة ومشحونة بأفكار عنصرية طائفية متطرفة خالية من العلمية والقيم الجمالية، ثم أن معظمها يدور حول الهم السياسي وإشكالات الواقع مما يشغل العامة، فيعمل كل ذلك موجهات وشروط إبداع للكتابة فيأتي النص الشعري صدى لتلك الكتابات الهابطة والصور البشعة والجدل السياسي الفارغ من كل نظرة إبداعية تقدمية.
وحذر «الزراعي» من استمرار الحالة لأنها لو استمرت ستؤدي بنا لتردي القصيدة وظهور أنواع من شعر الموضوعات والخطابات حيث قال: إذا استمر حال الكتابة الشعرية اليمنية على ذلك فإن ثمة ترديا متوقعا في السقف الجمالي للقصيدة شكلاً ومضموناً؛ حيث سيبرز شعر الموضوعات وسيغيب شعر الرؤية والتجارب الوجدانية الذاتية الأصيلة، وستعود الخطابية والمباشرة في الطرح، كما ستتفشى السرقات الشعرية بين الشعراء الشباب بسبب تشابه الواقع المحاكى المكتوب عنه وتشارك سياقات الإنتاج والموجهات ذاتها، وسيكثر عدد الشعراء والمدعين للشعر، مع قلة الشعر المختلف والجديد وسيسود النظم على الشعر، وسيهيمن الشكل العمودي التقليدي وتتغلب الأفكار على التصوير الشعري، إذ ستتم إعادة نظم أفكار العامة في قوالب وزنية بدون أي خلق أو إبداع، كما أنه لن يسلم الشعر العمودي من التشويه؛ فسوف تتفشى الكسور الوزنية بسبب غياب الشفوية وطغيان الكتابية عليها، ومن ثم لن تتكون لدى الجيل القادم متلقين وشعراء أي ملكة إيقاعية، وستشيع المقطوعات المرتجلة والأوزان القصيرة، وعلى مستوى اللغة فستفقد الكلمات طاقاتها الإيحائية وستقتصر على دلالاتها المباشرة التي يستخدمها العامة وستطغى مفردات التعبير المباشر عن الألم والوجع والحرب، وستطغى الصور الإضافية الاستعارية على الصور التمثيلية والكنائية المركبة. وفي الأخير سيكثر عدد الشاعرات ذات الوجوه الحسان.
القصة في اليمن بين ضبابية المفهوم والاحتراف الكتابي
ومن الشعر على صفحات الفيس للقصة القصيرة جدًا في اليمن التي يؤكد الناقد والقاص علي أحمد قاسم أن الكاتب اليمني خاض (التجريب) اللغة وتشظّي حكاية القصة القصيرة والتمرد على قواعد وعناصر القصة القصيرة ولكن ثمة قصور لم يرق إظهار المنافسة في هذا الجانب كغياب الدراسات العلمية في هذا الجانب من الجامعات ومراكز البحث فإلى الآن لا يجد الباحث دراسة علمية يستهدي بها في الجانب.كما أنه لم تحتف المؤسسات الثقافية والمراكز الإبداعية بفن القصة القصيرة جداً للآن إلا فيما ندر, إضافة لمزج الكاتب اليمني في منجزه الإبداعي بين القصة القصيرة والقصة القصيرة جداً حيث يذيل المنجز الإبداعي (مجموعة قصصية أو ديوان شعري ببعض القصص القصيرة جداً ويطلق عليها أقاصيص) وهذه السنة ما تزال لليوم حتى في بعض منجزات الشباب وكأنه يدلي بذلك الفن السردي على خجل.
وماتزال الصفحات الثقافية تطلق التسمية ذاتها بل وتخلط بين القصة القصيرة جدا والومضة مما يعكس أن التجريب الكتابي متقن ومايزال المفهوم ضبابياً, مما يستدعي إقامة الندوات والاحتفاءات ودعوة الجامعات للدراسات والبحث. فثمة قصور ما بين ضبابية المفهوم وإتقان التجربة الكتابية لاسيما وأن القصة القصيرة تختلف كثيراً عن القصة القصيرة جدا ًفي كثير من الخصائص وتلتقي معها في بعض الخصائص وتختلف الومضة من حيث الامتداد والجذور والأسلوب الكتابي.
وأضاف «قاسم» لذلك ماتزال القصة القصيرة جداً تحتاج للكثير من الدرس والكثير من البحث لاسيما وإن الجيل الذي بدأها كان أكثر التزاما بالقواعد أمثال حسن اللوزي ومحمد القعود وإن كان خلط ما بين الخاطرة والقصة القصيرة جداً وجاء عقد التسعينيات لتجارب شابة مزجت النص القصير جداً بالقصة القصيرة أمثال القاص نبيل الكميم في مجموعته الناي يتدرب على الإضاءة وزيد الفقية في مجموعته أوتار الأوردة الغبار وانتصار السري في مجموعتها المحرقة وغيرهم جاءت تلك المجموعات الكثير منها قصص قصيرة فيها النص القصير جداً.. ويمكن القول إن عقد الألفية الثانية جاء بمجموعات للقصة القصيرة جداً بشكل مستقل تحت عنونة محترفة، من ذلك مجموعة «مجرور بالحسرة» أسماء المصري ومجموعة «عادة غير سرية» لنادية الكوكباني والقاصة انتصار السري في مجموعتها «صلاة في حضن» وأسماء الصباحي في مجموعتها «بنات صغيرة» ومحمد القعود في مجموعته «هتاف الخيبة» والقاص خالد الحيمي في مجموعته «مذبوحاً كما يحلو».
وختم «قاسم» إن الشيء الملفت إن القصة القصيرة جداً حتى في جائزة رئيس الجمهورية للشباب مرتبطة بالقصة القصيرة حيث تذيل نهايات المجموعات بنصوص قصيرة جداً وومضات تفتقد المعايير, كما ثمة نصوص شعرية أسماها الشاعر زين السقاف أقصودة وهي تمتلك ميزات النص القصير جداً, كما إنه ليصعب على الباحث تحديد فترة ظهور هذا الجنس في اليمن لكنه قد أجمع الباحثون أن أول نص كان للقاص صالح الدحان في مجموعته أنت شيوعي الصادرة عام 1957 والنص عنوانه «شيء اسمه النفاق».
المدن اليمنية متاحف مفتوحة
تعتبر اليمن من أروع بلدان العالم سياحياً، وهذا الوصف يطلقه عليها كُتاب كبار ومستشرقون ورؤساء دول عظمى تمكنوا من زيارة اليمن قديماً وحديثاً، وذلك ليس بمحض الصدفة أو ما تستلزمه الزيارات الرسمية من المجاملات بل لما تتمتع به اليمن من تضاريس ساحرة متنوعة ودائمة ولما تملكه من إرث تاريخي وثقافي ضخم.
الكاتب والمصور الفوتوغرافي عبدالرحمن الغابري وصف المدن اليمنية بأنها تتمتع بمزايا فريدة ومواقع أثرية عملاقة كبراقش والسوداء، والبيضاء، صنعاء القديمة، وشبام حضرموت، وظفار، وعدن، وشبوة وتعز، وذمار، إلى مالا نهاية من المتاحف المفتوحة.
وقال: هناك تميّز فريد لكل موقع ومدينة أثرية سواء من حيث طرق البناء أو من خلال النقوش والتماثيل والسدود والحواجز المائية، التي تختبئ خلف كل منها الكثير من الحكايا عن ثقافته المكان وسماته الحضارية, كما تمتلك اليمن عدداً هائلاً من الجزر لا تزال على طبيعتها منذ أن وجدت، جميلة ومهيئة للاستثمار دون تدخل. كما وتوجد الكثير من ما يمكن تسميته بسواحل عذراء ذات بيئة غاية في الجمال والندرة ينقصها الرعاية والرؤية التي تدرك أهميتها، وإلى جانب كل ذلك فلليمن موروث غنائي وثقافي وفلكلوري لا يمتلكه بلد سواه من حيث التنوع والحفاظ على الأصالة.
اليمن أن تعبر بسيارة مسرعة
متحفاً عملاقاً
وهنا أجدني أتذكر كلمات قليلة في حجمها كبيرة بدلالة ما تضمنته للرئيس الأمريكي الأسبق (جيمي كارتر) حين زار اليمن في بداية تسعينيات القرن الماضي تتردد في مسمعي حيث كنت مرافقاً إعلامياً له، حين عبر عن اندهاشه همساً بتلك الكلمات في آذان المسؤولين اليمنيين الذين قابلهم يومها: (الغريب والعجيب جداً أننا عبرنا بسيارة مسرعة داخل متحف عملاق) قالها لمن استقبلوه مضيفاً. ( إن بلدكم أثرى من كثير من البلدان لو أحسنتم استغلاله وتنشيطه سياحياً لما احتجتم لأي مساعدة ولا تحتاجون أيضاً للنفط لأنه زائل والسياحة باقية، ونصيحتي أن تتركوا السياسة العرجاء وأن تشتغلوا سياحة).
وهنا يمكن القول أن مشكلة اليمن وعدم استغلال تفرده سياحياً، تكمن في مسؤوليه المتعاقبين، ونخبه الاجتماعية والسياسية الجهلاء، والمشكلة أيضاً في التعليم بجميع مستوياته ولا يستثنى رجال الدين والقبيلة الذين يقفون بقوة ضد التطورات من منظور شديد التعصب ضد التنمية وخصوصاً السياحية منها باعتبارها من مفهومهم مجوناً وفسقاً، وخروجاً عن أنماط وعيهم وتقاليدهم المتخلفة، بينما كل ذلك من أجل أن يحافظوا على ما يحسنونه من تجهيل للمواطن بحيث يسهل تجنيده في خدمتهم.
لقد عملوا على وأدها منذ زمن طويل، ووقفوا جميعاً أمام أية محاولات جادة للترويج سياحياً لليمن عبر الأغنية والصورة واللوحة والندوات وحتى نشاطات وكالات السياحة الخاصة.
وصفها الريحاني بـ«جوهرة في أيدي فحامين»
اليمن كما وصفها أمين الريحاني (جوهرة في أيدي فحامين) وكما وصفتها الطبيبة الفرنسية (كلودي فايان) بأنها من أجمل بلدان العالم سياحياً وثقافياً بالمفهوم الشامل للثقافة والسياحة لا في أطرها المحدودة. ولعلي أستشهد هنا بما قاله المخرج الإيطالي العالمي (بيير باولو بازوليني ) بأن فينسيا الشرق أجمل من فينسيا الغرب ويقصد صنعاء خصوصاً.
تنوع الفنون منذ الأزل توارثه الأجيال
تتميز اليمن منذ القدم بتنوع وثراء فنونها التي اكتسبت على مدى التاريخ شهرة كبيرة بين الشعوب الأخرى، وتمكنت من الاستمرار والحفاظ على خصوصيتها إلى درجة كبيرة حتى مع طغيان نتاجات الفنون المستحدثة إلى المعاصرة حيث لا تزال المدن اليمنية تحتفظ بمعامل منتجة لهذه الفنون ذات الطابع الحرفي، ويعمل فيها أجيال تتوارث الخبرة بالتراث. الباحثة منال العريقى أوضحت «للثقافية» إن من أهم الفنون التقليدية المحلية صناعة الفضة والذهب والأحجار الكريمة، وصناعة الأسلحة التقليدية (الخنجر اليمني - الجنبية) وصناعة الفخار والأدوات المنزلية، النسيج اليدوي للأقمشة، والمفروشات، صناعات وفنون حرفية ترتبط بالعمارة التقليدية مثل فن الزجاج المعشق الذي يستخدم في النوافذ والزخرفة والرسم بالحصى على واجهات المنازل وفي داخلها حفر وزخرفة الخشب وهذه أمثلة فحسب تشير إلى ثراء أنماط الفنون المحلية ليس على مستوى تعددها من إنتاجية الحرفية فقط.
وأوضحت أيضًا: أن الظاهرة الأهم التي ترتبط بخصائص جمالية من فنون منها تنوع السمات والمؤثرات الفنية داخل كل فن إذ أنها تحمل جميعها كثيراً من ملامح الفنون اليمنية القديمة، وفي الوقت ذاته تمتزج فيها هذه الملامح بطابع مختلف وعلى وجه الخصوص الحقب الإسلامية، كما أن الفن الواحد أو الحرفة تحتوي على مميزاتها الفنية والجمالية التي تتلاءم مع طبيعتها، فالمنتجات الفضية من حلي وأوان تميل إلى تكثيف زخرفي عال داخل الحيز الصغير من القطعة الواحدة، على عكس الشكل الفني للمنسوجات المحلية التي تنمو بتبسيط الأسلوب واعتماد مفردات زخرفية أو هندسية بسيطة فالاختزال يصل إلى المدى الأقصى هنا، ما لا نجده في زخرفة الواجهات المعمارية التقليدية التي تكتظ بالوحدات والتفاصيل من خطوط وأشكال نباتية وحيوانية وتنويعات.
لقد أسهم الفنانون التشكيليون في خلق تصور عام عن التراث الشعبي، وطرحوا العديد من القضايا، وحددوا أفق العلاقات حول أهم الأعمال الفنية والثقافية في التراث الشعبي، وأعمال الفلكلور اليمني، وعلاقة التراث الشعبي بالأعمال الفنية للفنانين التشكيليين.
السينما مراحل أولية ومعاناة
وحول السينما في هذا البلد الذي يعاني من إشكالات اقتصادية وسياسية وظروف مرحلية حالية تستدعي «العريقى» التجربة منذ نشأتها وتقول: السينما اليمنية لا زالت في مراحلها الأولى وأول فيلم يمني أنتج عام 2005 وهو يوم جديد في صنعاء القديمة. يتمحور حول شاب متعلم من صنعاء القديمة، وعلاقته بفتاة من طبقة اجتماعية متدنية لا يعرف لها أهلاً ولا نسباً.. يناقش الفيلم ثقافة اليمنيين الشعبية بشكل واقعي وأغلب الحوار يدور بلهجة صنعانية رغم أن بعض الممثلين لم يكونوا يمنيين وحاز الفيلم على جائزة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي كأفضل فيلم عربي وأول فيلم يمني يعرض في مهرجان كان السينمائي.
كما قام المخرج فضل العلفي بإخراج فيلم «الرهان الخاسر» وهو فيلم حكومي من إنتاج وزارة الداخلية للتحذير من خطر الجماعات الدينية المسلحة. وهناك عدة أفلام قصيرة من إنتاج هواة وغير محترفين شاركت في مهرجان دبي السينمائي مثل فيلم «أسوار خفية» الذي يصور معاناة «الأخدام».
وهم الفئة الدونية في المجتمع اليمني الذين لا يعرف أصولهم. والمرفوضون اجتماعياً في مجتمع قبلي. وفيلم «أبوي نائم» وغيرها من الأفلام القصيرة.
وهنا لابد أن نشير إلى أن خديجة السلامي، المستشار الإعلامي للسفارة اليمنية في باريس تعد أول مخرجة يمنية وقامت بإخراج عدد من الأفلام الوثائقية عن اليمن منها فيلم غريبة في مدينتها (إنجليزية: Stranger in Her Own City) والذي يصور حياة فتاة يمنية من صنعاء القديمة تدعى «نجمية» لا تريد ارتداء الحجاب أو النقاب وتصر على اللعب مع الأولاد في الشارع وركوب الدراجة الهوائية، وأفلام أخرى عن الفساد ومواضيع متعلقة بالشأن اليمني.
السطو على دور السينما..!
أما في مطلع 2008 لم تعد توجد في العاصمة اليمنية صنعاء سوى صالة عرض سينمائية واحدة. ونوهت «العريقي» إلى تحقيق أجراه: محمد عبدالله السيد وعبدالباسط الشرعبي عام 1997م أنه بلغ عدد الدور السينمائية في اليمن ست وثمانين دار موزعة في مختلف محافظات الجمهورية اليمنية: في كل من صنعاء عدن تعز الحديدة حضرموت إب شبوة المهرة أبين لحج ذمار.
وذكرت أنه جاء في نهاية التحقيق فيما يتعلق بهموم ومشاكل المؤسسة العامة للسينما، أجاب بالقول طاهر علوان (مسؤول قطاع السينما) لدينا العديد من الهموم والمشاكل متمثلة في السطو على معظم الدور السينمائية في المحافظات الشرقية والجنوبية فأكثر من (10) دور سينمائية تم الاستيلاء عليها من قبل بعض المتنفذين منها: سينما بلقيس، صيرة، الحرية، كريتر، المعلا، التواهي، الشيخ، الشعبية، الشرقية.
أول عمل مسرحي في عدن على مستوى الخليج
أما المسرح فقد ظهر في تاريخ المسرح اليمني القصير أول عمل مسرحي في مدينة عدن 1910م بعنوان «يوليوس قيصر»، وهو أول عمل مسرحي على مستوى الجزيرة والخليج أعقبتها مسرحيات أخرى عام 1947م بأداء وتمثيل يمني ثم ظهرت على التوالي عدد من المسرحيات الناقدة ذات المضمون الاجتماعي والسياسي النقدي ضد الاستعمار على أمتنا العربية. حيث زجت السلطات البريطانية في عدن بالممثلين في السجون، وفي عام 1957م ظهرت فرقة مصافي عدن للتمثيل، وفي هذه الفترة برز عدد من الرعيل الأول من الممثلين أمثال الدقمي وسعيد لامبو وعلي كعدل.
كما ظهر عدد من الممثلين المسرحيين من الرواد أمثال فيصل بحصو وعلي مسيبلي والرخم، ومن المؤلفين المسرحيين أمثال عبدالمجيد القاضي وحسين سالم باصديق وأحمد صالح الشاعر، وسعيد عولقي وعبد المنان.
نهوض بين المد والجزر
وأضافت «العريقى» استمر هذا النهوض حتى أوائل الستينيات ثم خضع للمد والجزر ثم النهوض والهبوط في فترة السبعينيات حتى كان المسرح ملتزماً لإيديولوجية النظام الشمولي في المحافظات الجنوبية حينها حيث خدم المسرح السلطة في حين أن السلطة لم تخدم المسرح وفرضت على المسرح ستاراً حديدياً والتنميط في الإبداع تحت مسمى العمل المسرحي (البروليتاري) ولم يترك مجالاً لحرية التنوع الإبداعي والنقد المسرحي أو للمدارس الأهلية المسرحية المتنوعة. وأمم المسرح الأهلي أو التابع للقطاع الخاص، واحتكرت الدولة المسرح تحت مسمى المسرح الحكومي، أو المسرح الوطني وأقفلت الأجواء والنوافذ الإبداعية أمام زهرات المسرح التي لم تتفتح إلا في ظل الوحدة اليمنية المباركة، وفي ظل التنوع والتعدد والمدارس المسرحية المتنوعة والفن الإبداعي الحقيقيين في إطار الوحدة. وعبر هذه المسيرة عزز المسرح اليمني موقعه بين كل الفنون فأنشئت الفرق المسرحية في عموم المدن الرئيسية مثل صنعاء وتعز وعدن وحضرموت ولحج وأبين والحديدة وخرج العديد من المسرحيين الذي أبدعوا أكثر وتعزز ذلك عبر دراساتهم في جامعات العالم وهاهم الآن يبدعون أكثر في ميدان المسرح الذي تدعمه الدولة وله مؤسساته في كل المحافظات عبر المؤسسة العامة للسينما والمسرح.
وفي نهاية الملف اليمني التي قدمته «المجلة الثقافية» للقراء والمهتمين ومتابعي الحركات الأدبية الثقافية العربية أهدت خبيرة في العلاقات الأسرية والاجتماعية الدكتورة حياة الهندي الملف هذه الخاتمة التي عنونتها بأنها اليمن قالت فيها: تاريخٌ مكتوبٌ منذ الأزل، مذكورٌ بالقرآن «بلدةٌ طيبة ورب غفور».
أنا الخيرات، أنا النعم، أنا أصل العرب، أنا الجد أنا العزم أنا السكن. أنا اليمن أنا سيف بن ذي يزن، أنا الأوس أنا الخزرج أنا قحطان وأنا عدنان وأنا قبائل العرب، أنا الجبال الشامخات البيض والحمر والسود والجدد, أنا الخضرة، أنا الجمال من كل حدب ومن كل صوب، من كل الحضارات، من كل الثقافات، من كل الشعوب.
أنا أوراقٌ ، أنا علمٌ، أنا مخطوطات، أنا حضارات، أنا طقوسٌ، أنا عادات.
نحن قومٌ، نحن شعب، نحن الحكمة ونحن الدهاء ونحن رجال الملمات، ونحن فضليات النساء، نحن اليمن من وصفهم الرسول عليه الصلاة والسلام بأروع النعوت، نحن الأرق أفئدة، نحن الأنصار الذين حبهم من الإيمان، نحن العلماء، نحن القراء، نحن العظماء، نحن الكرماء، نحن الشعراء، نحن الداعمون لمن تحطم وانكسر، نحن الصادقون، نحن الواثقون، ونحن الجمال الذي عليه تقاتل الفرس وغدًا الروم ومن بعدها ستثور النار من عدن، وسيأتي الدجال وسينزل المسيح وتعود الأرض خضراء ثمّ تقوم الساعة وتنتهي الحياة الأولية، وتبدأ حياة الأزلية.
نحن من بدأ بنا التاريخ ، ونحن بنا من ينتهي
والكل بعدنا يأتي وبمثل فخرنا لا أحد يحكي
نحن الأمس ونحن اليوم ونحن الغد
نحن صناع المجد ونحن الشعب الأبي.