د. حمزة السالم
التوسع في موضوع السحر، بالإضافة إلى احتمالية الخطأ الكبير فيه، فإنه يدفع الثقافة للإيمان بالخرافة وما يتبعه من سطاحة الفكر، ونشر التهمة بين أفراد المجتمع فيفرق لحمتهم ووحدتهم، ويضعف عقولهم، وقد يصل الأمر، إلى أنه قد يُحتج بها في الأحكام القضائية، كما تفعل بعض المجتمعات المسلمة برجم المرأة إذا حملت من غير زوج. وما على هذا دلت سنة نبيا عليه السلام. فما فهموا النص، فكيف وقد تجاوزوا في معاملات الناس من عدم الفهم إلى إخفاء الصحيح من النصوص وإظهار الموضوع منها.
ولهذا يصيب سحر وعين في بعض الدول الإسلامية، ولم يصب بل غيتس في بلاد الفرنجة، بشيء منهما.
اشتهار الحكم بقتل الساحر، رغم أنه لم يثبت أي حديث في أمره عليه السلام بقتل الساحر. فحديث «حد الساحر ضربة بالسيف» قد ضعفه علماء الإسلام وأخره : الألباني والشيخ بن باز، فقال «ولكنه عند أهل العلم ضعيف الإسناد».
والعلماء اختلفوا في الأخذ بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال والسير فكيف بأحكام تستحل دم المسلم. والفقهاء - غفر الله لنا ولهم - يحبون استمرار ما ألفوا عليه أشياخهم، ورغم أن ليس فقط الحديث ضعيف بل يوجد الشاهد بضده، وهو عدم قتل الرسول للبيد بن الأعصم وقد سحره.
- فلضعف النص الشرعي الوحيد في المسألة سنداً ومتناً، ومع عدم وجود أثر ثابت نقلاً عن الخلفاء الراشدين، ولو وُجد فليس بمُلزم، دأب بعض فقهاء المسلمين في استشهادهم لقتل الساحر بأثر عن عمر وينسبونه لصحيح البخاري، وما هو في صحيح البخاري. (وهذه مصيبة النقل في الفقه).
ففي غالب الكتب والدراسات والأحكام والفتاوى، تجد نسبة الحديث للبخاري وما هو في البخاري. فمثلاً، في فتاوى اللجنة الدائمة للافتاء في مواضع عدة تجد النسبة للبخاري بهذه العبارة «ولما ثبت في صحيح البخاري، عن بجالة بن عبدة أنه قال: كتب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن اقتلوا كل ساحر وساحرة. فقتلنا ثلاث سواحر» (واللافت للنظر أن الهامش، يذكر المرجع لصحيح البخاري 64 /4)، ولو بحثت في الإنترنت ستجد في المراجع نسبة حديث الساحر للبخاري، ما عدا صحيح البخاري فلن تجده هناك. وهذا بالرغم أن ابن حجر نبه على ذلك في شرحه لصحيح البخاري. حيث قال: « أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَصْلَ الْحَدِيثِ دُونَ قِصِّةِ قَتْلِ السَّوَاحِرِ»، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ جُنْدَبٍ رَفَعَهُ قَالَ حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبُهُ بِالسَّيْفِ فَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ» انتهى من ابن حجر.