ناصر الصِرامي
نختم عامًا ميلاديًّا آخر، عامًا لم يكن عاديًّا أبدًا على الأصعدة والميادين كافة محليًّا في المملكة السعودية. تسلسل الأحداث والقرارات والمناسبات والتحولات - رغم مرور الزمن بسرعة فائقة - يجعلنا نشك أن هذا الذي حدث سعوديًّا كان في عام واحد.. من القمم والمؤتمرات العالمية، إلى الأزمات السياسية في المنطقة، إلى التحولات الاستثنائية على الصعيد الاجتماعي والثقافي.. إلى وإلى أهم عناوين الأخبار العالمية التي لم تغب عنها السعودية طوال الـ 12 شهرًا الماضية، سياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا ورياضيًّا..
هل نختم بالميزانية المذهلة في توقعاتها وأرقامها المستهدفة.. أم أقفز للخلف إلى ما قبل ذلك وإلى برنامج التحول الوطني، ورؤية السعودية 2030 بكل بدايتها وتحديثاتها واستمراريتها، أم إلى تأهلنا إلى كأس العالم، والترفيه وهيئته؟.. وطبعًا وبالتأكيد لا يمكن أن أتحدث عن التحولات الكبرى في البلاد دون تغير الصورة النمطية والعتيقة عن بلادي، وما كنا نخجل من الدخول والنقاش فيه لعقود.. ثم أصبحنا نتحدث عنه بشكل طبيعي، بل نفاخر بالتخلص من أحمالها الثقيلة (قيادة المرأة والسينما)، ونحن نطوي الدرب نحو المستقبل.
أم نكرر تأكيدًا عن سيرة ملك تاريخي متفرد، وحازم، ومدرك لتفاصيل التاريخ كما يكتبه اليوم بتميز للسعودية الحديثة والمتجددة، أم عن ولي عهد يقود بعزم معركة تغيُّر استثنائية على الصعيد الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي؟
إلا أنني في البداية والنهاية أكتب كمواطن مغرم بسلسلة إنجازات بلاده العظيمة مع تزامن ذكرى البيعة الثالثة للملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، آخر الملوك من أبناء المؤسس العظيم العزيز تاريخيًّا.
والحقيقة إنني لا أستطيع أن أكتب إلا كمواطن مراقب ومغرم ومتابع للصورة الكبرى ولكل التفاصيل بينها، وقبلها وبعدها وخلالها..
لكن هذا الغرام والعشق لا يكفي أبدًا أبدًا أبدًا.. لفهم كيف تتحول كل هذه القصص والإنجازات والمبادرات والاتجاهات الحديثة بكل إيجابياتها وتطلعاتها ورسمها وبنائها للمستقبل، وكيف تتحول هذه الصورة المشعة من الإيجابية الكاملة والمفترضة إلى سلبية في التعاطي وردود الأفعال لدى البعض محليًّا.. قبل عربيًّا للأسف..؟!
كيف تصبح التوجهات الحديثة والمبادرات الاستثنائية محليًّا والمواقف الثابتة عربيًّا وإسلاميًّا لبلادي محل تقدير متواضع في الداخل، واستغلال مشوه جدًّا جدًّا في الخارج؟!
هل المشكلة في حربنا ضد الفساد، هذه الحرب المبهرة التي لم تحدث في أي بلد في التاريخ الحديث بهذه النوعية والجسارة؟ أم في تفوقنا الاقتصادي، ومواقفنا السياسية الثابتة والصريحة؟ أين يقع الخلل الذي يجعل البعض في محيطنا الإقليمي والعالمي يستقبل مواقفنا وإنجازاتنا بصورة مغايرة سلبية غالبًا..؟!!
قد يقول البعض إنه حقد الآخر علينا.. كراهيتهم لنا، أو حسدهم إيانا.. وقد يكون بعض ذلك صحيحًا إلى حد ما.. لكنه ليس السبب، كما أنه ليس طريق المعالجة..
أعتقد - بكل وضوح - أن المشكلة تتمثل في الخطاب الإعلامي الخارجي في عالم متداخل جدًّا جدًّا، وفشل -ربما - في استيعاب أدوات الإعلام الجديد، وتوجيهها بذكاء ومهارة، بل غياب المبادرات المبرمجة عن هذا الصدد..
المشكلة والعلة هي في الإعلام الخارجي، و»الدبلوماسية الشعبية» الغائبة عن خارطة الإنجازات السعودية ومستواها.. وقوة ناعمة نائمة..!