د.عبدالله مناع
الأخبار الصحفية التي سبقت افتتاح (معرض جدة الدولي) الثالث للكتاب مساء يوم الأربعاء قبل الماضي كانت لا تخلو من المبالغات التي لا ضرورة لها.. كـ (قول) بعضها: إن عدد دور النشر التي ستشارك في هذا المعرض ستزيد عن خمسمائة دار نشر: محلية وخليجية وعربية ودولية.. أو: (قول) بعضها الآخر.. إن عدد الزوار اليوميين لـ (المعرض) سيكونون (خمسين ألف زائر).. وإن الفعاليات الثقافية المصاحبة ستكون أكثر من خمسين فعالية!! وهي أرقام هدفها الترويج لـ (المعرض) بين الناشرين والقراء.. وهو ما لا تحتاجه - وعلى هذا النحو - مدينة كـ (جدة) بثقلها الاقتصادي والمعرفي.. ومكانتها الروحية كـ (دهليز للحرمين الشريفين)، يتمنى القدوم إليها كل عربي ومسلم.. حتى تتاح له فرصة أداء (العمرة)، وزيارة مسجد خاتم الرسل والأنبياء محمد -صلى الله عليه وسلم.. والسلام عليه والصلاة فيه.
إن على المشرفين على إقامة هذه المعارض الثلاثة ألا تشغلهم هذه المبالغات، أو يطمئنوا إليها.. وأن عليهم مراجعة الأرقام والحقائق.. ليعرفوا أن (أول) هذه المعارض الثلاثة - رغم ضيق الوقت ومحدودية الإمكانات - كان هو أفضل الثلاثة: (مشاركة) من قبل الناشرين.. و(حضوراً) من قبل القراء والقارئات.. و(عائداً) مادياً على أصحاب دور النشر: وأن عليهم.. أن يسألوا: لماذا تناقصت أعداد دور النشر عن عامها الأول.. وعن عامها الثاني؟.. ولماذا تراجعت معدلات المبيعات من الأول إلى الثاني إلى الثالث؟!
فقد كان لـ (الناشرين).. ومنذ أن انتهى المعرض الأول، وعاد كل ناشر إلى حيث أتى.. شكوى واحدة رئيسة.. هي: (أسعار) إيجار المتر الواحد لـ (الناشرين)، والبالغ مائتي دولار.. وهو رقم مبالغ فيه.. لأن الهدف الرئيس لإقامة هذا المعرض أو شقيقه في (الرياض) أو في غيرها.. ليس هو الإتجار أو التربح.. ولكنه: إيصال أهم أدوات المعرفة - وهي الكتاب - إلى طلابها.. الباحثين والباحثات عنها، فليس مقبولاً أن نكبد (الناشرين) بهذه الأسعار الفلكية - بالنسبة لعالم الكتاب!! -، فهو ليس كـ (عالم الأحذية) والعطور والأزياء! الذي يتحمل أسعاراً فلكية كهذه.. إذا تذكرنا مثلاً: أن ثمن بعض الأحذية.. قد يصل إلى الألف ريال أو أكثر.
إن مسألة الإيجارات ليست مسألة (هامشية).. فهي تحتاج إلى وقفة تأملية اقتصادية جادة.. من قبل (القائمين على إدارة المعرض سواء أكانت هي غرفة جدة التجارية الصناعية وحدها.. أو معها محافظة جدة).. وصولاً إلى سعر الإيجار العادل لـ (كل) الأطراف)..!!
* * *
ورغم أن الطريق الرئيس لـ(المعرض).. وهو طريق الملك.. ظل خالياً من أي لوحات إرشادية.. تطمئن القادمين إليه من أي مدينة من مدن المملكة.. وحتى يومنا هذا، والمعرض يبلغ نسخته الثالثة، إلا أن معرض هذا العام.. كان هو الأفضل (شكلاً): فـ(ترتيب) الممرات، ووضع دور النشر في مواقعها كان بصورة أفضل عن سابقيه.. إلى جانب نضارة ونظافة المكان.. والحفاظ عليه طيلة ساعات المعرض - من العاشرة صباحاً.. إلى العاشرة مساءً - كما أن المعرض، وإن بالغت (الصحافة) في الحديث عن فعالياته - بأكثر من خمسين فعالية - ولم تكن كذلك.. إلا أنها تميزت بـ(فعاليتين) نوعيتين مختلفتين.. هما: المسرح والسينما.. إلى جانب الفعاليات المعتادة من الندوات والمحاضرات والأمسيات الشعرية وورش العمل.. إلا أنها لم تبلغ (الخمسين!!) أو تزيد عليها، ولكنها تميزت بـ (العرض السينمائي) الذي قدمته (دول الاتحاد الأوروبي): عبر عرضها لفيلم: (شتاء أو فلين وآتلي).. وهو فيلم لـ (الأطفال) مقتبس عن رواية للكاتبة الفلندية (مارجريتا كوريمي)، ولكنه يفتح الباب لعروض سينمائية أخرى: فما الذي يمنع من تقديم الأفلام السينمائية الحائزة على (الأوسكار) للعام نفسه.. أو العام الذي سبقه، كما أن المعرض.. قدم هذا العام مسرحية (المتحف) لـ(نادي المسرح) بجامعة الملك عبدالعزيز، والتي كتبها الدكتور هادي عاشور ومثلها الممثلان: عبدالله هاوساوي ومحمد الضليمي، وهي (فعالية) نوعية متميزة.. لكن يبقى السؤال: هل تفتح أبواب معرض الكتاب.. لـ(السينما) العربية والعالمية أم لـ(المسرح) المحلي..؟
إن الإجابة الموضوعية.. التي تصب في الأهداف التي يسعى إليها معرض الكتاب.. هي أن تفتح الأبواب لـ(السينما) العربية والعالمية.. لنختار منها جملة الأوسكار أو أي جوائز سينمائية مماثلة عربية أو عالمية.. لتقديمها في معرض كل عام، ليضعنا تقديمها على أبواب معرفية ثقافية.. طال حرمان الوطن وأبنائه وبناته منها!!
* * *
على أي حال.. فـ(المبالغات).. التي قدمتها (الصحافة) عن المعرض قبل افتتاحه.. وكانت موضع استهجان البعض أو تندره.. عوضتها (الصحافة) المحلية والـ(بان اراب) بتغطيات مهنية يومية رائعة.. لكل ما شهدته أيام (المعرض) من زيارات.. لـ(الجامعات) و(الجمعيات) والمدارس والمعاهد والكليات.. بـ(إجراء) المقابلات واللقاءات مع حضورها وحضورهن مع تقديم مشاهد فوتوغرافية، وصور حية لـ(المعرض) من الداخل، وهو ما خدم دون شك.. الإقبال على المعرض وحضور ندواته ولقاءاته وأمسياته.. وإلى حد (الدهشة) عند بعض من عرفت من الأصدقاء الذين لم ينقطعوا عن حضور معارض جدة (الثلاثة) للكتاب.
* * *
ويبقى بعد هذا.. الإشارة إلى حضور وزارة الثقافة (التعويضي) في النسخة الثالثة من معرض جدة الدولي للكتاب.. من خلال وزيرها ووكيلها ومدير فرعها في المنطقة الغربية.. ليس فقط لمتابعة (الجانب الرقابي) للكتب.. ولكن لتحمل مسئولياتها - إلى جانب ذلك - تجاه الفعاليات الثقافية المصاحبة لـ (المعرض).. وهو ما أضفى على (المعرض) في نسخته الثالثة الكثير من الاستقرار والبهجة.. مؤكداً لكل من يفهم، ومن لا يريد أن يفهم.. أنه لا يصح في النهاية إلا الصحيح..!!
آملاً - أن يشهد معرض جدة الدولي (الرابع) للكتاب دعوة ثلاثة أو أكثر من أدباء العالم ومثقفيه ومبدعيه.. لحضوره، ليروا أننا في هذا الجزء منه: كما نحج ونستغفر، ونلبي دعوة أبينا (إبراهيم).. ونخدم ضيوف الرحمن والزوار والمعتمرين، ونبيع النفط.. نقرأ ونكتب، ونفكر ونحلم!؟
إجمالاً.. لقد ظهر (المعرض) في نسخته الثالثة.. هذا العام بملابسه الطبيعية: العادية:.. وليس (الاسموكنج).. كما كان يرجو ويحلم الكثيرون!!