عبد الرحمن بن محمد السدحان
تمهيد:
«يأتي هذا الحديث الموجز في سياق ذكرى البيعة الغالية لسيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده القويّ الأمين أدام الله عزَّهما، وهي ذكرى تُلهم بالحديث عن بلادنا الغالية ورموزها الكرام سعادةً وفخراً واعتزازاً عاماً بعد عام. وفيما يلي وقفاتٌ تأملية موجزة عن بعض الملامح المميزة لهذا الرمز الوطني العملاق الملك سلمان بن عبدالعزيز أيده الله.
«فهو (مجموعة إنسان) بامتياز، خلقاً وأداءً وتعاملاً، يقتدي به مَنْ ينشد العزّ ويحلم بالنجاح، يضاف إلى ذلك سماتٌ من سمو الخلق الرفيع، وشفافية النفس، ووضوح الرؤية.
«كانت فترة حكمه للرياض مدةً تنوف على نصف قرن مدرسةً غنيةً بالتجارب والعبر، تعلّم منها حفظه الله الكثير، وعلّم هو الناس من خلالها الكثير عن فلسفته في الحكم والإدارة. وكان من أبرز معالم تفوّقه فـي الإدارة قدرتُه على تطويع الوقت والتحكم فيه لصالح العمل، ولذا، لم يكن الوقتُ عبئاً عليه بل حليف أمين له!.
«شَرفتُ بلقاء الملك سلمان أيده الله أول مرة بعد عودتي من أمريكا مبتعثاً، وكان ذلك في أوائل التسعينات الهجرية. وكنت أحضُر بعض مجالس قصره العامر مرافقاً لعمي الراحل عبدالعزيز بن عبدالله السدحان، رحمه الله، الذي كانت تربطه به علاقة متينة.
«وعبر السنين، تنامَى الإعجابُ به في خاطري إنساناً ومسئولاً، وكنت أحرصُ على زيارته حفظه الله في مكتبه بإمارة منطقة الرياض. وذات يوم دعاني إلى البقاء بعض الوقت لأَشْهدَ معه مداولات (مجلس الحكم) عبر القضايا التي تعرض عليه بحضور أصحابها، وقد أذهلني أسلوبُه الإداري الراقي في استيعاب محتوى تلك القضايا قراءةً وبتّاً، مثلما أدهشتني قدرتُه على تذكّر الكثير من تفصيلاتها ولو بعد حين!
«عُرف عن الملك سلمان ـ منذ توليه سُدّةَ الحكم بمنطقة الرياض أميراً قبل أكثر من خمسين عاماً ـ احترامُه للوقت احتراماً يفوق توقّعات من لم يعرفوه أو يتعاملوا معه، فهو دقيق جداً فـي مواعيده، حريصٌ أشدّ الحرص على الالتزام بناموس الوقت بدْءاً ونهاية.
« والأسمى من ذلك كله، أنه عبر السنين بات قدوةً للآخرين احتراماً للوقت، وحرصاً عليه. وقد أدهش الكثيرين بهذا النمط القيادي الرفيع، فهو من أوائل من يحضر صباحاً إلى مقر عمله، ورافقه هذا الطبع الحضاري السامي حتى بعد توليه مقاليدَ الحكم ملكاً للبلاد.
«ومما يبهر في سيرته حفظه الله حرصُه على الحضور إلى مقرّ مجلس الوزراء كل أسبوع لرئاسة الجلسة بعد صلاة الظهر مباشرةً، وهذه قاعدة التزم بها الوزراءُ جميعُهم دون استثناء حضوراً مبكراً إلى مقر الجلسة، كما لمس الكثيرون فـي الأمانة العامة لمجلس الوزراء الميزةَ الفاعلةَ لهذا الأسلوب، بحيث لا يضيع أيُّ وقت هدراً، وقد التزم الوزراءُ الكرام بهذا النهج القويم، والحضور قبل وصوله إلى مقر الجلسة بوقت كاف استثماراً للوقت المتاح لإنجاز جدول أعمالها.
«وبعد، فإن سلمان بن عبدالعزيز إنسان قبل أن يكون ملكاً أو أميراً أو حاكماً لدرة المناطق الرياض! ومن أبرز خصاله، حفظه الله، أنه يتذكر جيداً ما كان في أمسه ويومه من أمور الحياة والأحْياء، فلا يكاد ينسى من هذا أو ذاك شيئاً إلا ما كان منهما مؤهّلاً للنسيان!.