لبنى الخميس
Airbnb تطبيق ثوري في مجال الاقتصاد التشاركي الذي تأسس عام 2008 حيث يتيح للأشخاص تأجير منازلهم في أكثر من 190 دولة حولة العالم لسياح وزوار من حول العالم? لكن مؤخراً أضيفت خدمة التجارب التي تتيح لك رؤية جمال المدن من خلال التجارب التي يوفرها قاطنوها، مثل جولة في سوق اسطنبول القديم مع مصور تركي، أو تذوق خبز وتذوق البيتزا الإيطالية مع شيف إيطالي أو التعرف على الأزقة القديمة لمدينة مراكش مع صحفي مغربي وغيرها الكثير.
قررت أن أخوض هذه التجربة في زيارتي قبل أسابيع لمدينة باريس وأخرج من منطقة راحتي في زيارة نفس الأماكن والتجول في ذات الشوارع ومقابلة نفس الوجوه، وأقدم على ثلاث تجارب جديدة وغير مألوفة. فكانت وجبة العشاء الأولى لي في المدينة في منزل شيف فرنسي حائز على جوائز في الطهي، وزوجته الصحفية التونسية الفرنسية التي تعمل كمذيعة في التلفزيون الفرنسي. وكانا قد قررا أن يستضيفا كل ليلة أحد الغرباء من مختلف أنحاء العالم في شقتهما في سان جيرامان، والتي تعود ملكيتها بالمناسبة، لموديلياني فنان إيطالي انتقل في منتصف القرن الماضي إلى عاصمة النور باريس. فقررا تقديم أطباق عشاء مستلهمة من وجباته المفضلة إحياءً وتخليداً لسيرته وذائقته.
أما التجربة الثانية فكانت عبارة عن رحلة مع تاريخ الجبن الفرنسي.. أنواعه، مصادره، مذاقاته، والكثير من القصص الطريفة عنه مع تاجر جبن فرنسي، هجر مجال صناعة الأفلام ليتبع شغفه بصنع الجبن وتذوقه وسرد قصصه لمحبيه من حول العالم. وأخيراً تجربة تحضير فطور فرنسي مع شيف فرنسية لها ثلاثة كتب منشورة في عالم الطبخ، ابتداءً من إعداد الزبدة الطازجة وصولاً إلى الوقوف على أشهر وصفات الفطائر الفرنسية اللذيذة، وانتهاءً باقتسام تجربة التذوق والمتعة مع زوار من الصين وأمريكا وأوروبا الشرقية.
بالرغم من أنني كنت محاطة بالغرباء الذين أراهم لأول مرة، لم أشعر بالغربة والوحشة، بل شعرت بأننا متشابهون بصورة يصعب وصفها، يتملكنا إحساس دفين بالرهبة، وخوف مبطن بأن يتم رفضنا، لذلك طفى التسامح والتعاطف على السطح، وأدركنا هذه الثغرات غير المنطوقة، وبدأنا في تمهيد تلك الطرقات الذهنية المربكة لحديث لذيذ، وقصة مشوقة، ذكريات لم ولن تنسى.
لا يهم كم عمرك؟.. ما هي جنسيتك؟ ما هو مستوى تعليمك؟ وكم رصيدك؟ فلن يحظى ذلك باهتمام الحاضرين طويلاً.. المهم ما تشاركه من تجارب، وما تبينه من جسور، وما تسرده من طرائف وقصص، والأهم ما تتركه من ذكريات وانطباعات.. بعيداً عن التصنيفات الاجتماعية.. بل ما يجمعنا من قيم وروابط إنسانية.
أخيراً.. جميعنا غرباء بشكل أو بآخر.. خائفون.. ويتملكنا شعور بالقلق من أن يرفضنا الآخرون أو يعجزون عن فهمنا.. لكن أثمن ما نودعه ذاكرتنا من لحظات يتجسد في مواقف شجاعة.. قررنا بها أن نعبر عن عمق ذواتنا.. ونكون جزءاً من حديث إنساني صادق يذكرنا أننا كبشر.. قد نملك ملامح وقصص مختلفة.. لكننا نحمل أرواحاً ومساعي متشابهة.