م.عبدالله محمد العصيمي
يتزامن القرار السامي الكريم بإنشاء الهيئة الوطنية للأمن السيبراني، مع توجهات الدول لبناء قدراتها في مجال حروب الفضاء السيبراني، وذلك انطلاقا وانسجاما مع كون المملكة لاعباً رئيساً في العالم التقني المترابط لمواجهة حروب المستقبل والتي سيكون ميدان معركتها الفضاء السيبراني (الافتراضي).
وقد شرعت معظم الدول في عسكرة الفضاء السيبراني من خلال تطوير سياسات الدفاع والأمن السيبراني وبناء القدرات في سباق التسلح السيبراني، لدى الأجهزة المعنية بالدفاع والأمن في الدول، وتزايد الاستثمار في مجال تطوير أدوات الحرب السيبرانية داخل الجيوش الحديثة، إضافة إلى دمج الفضاء الإلكتروني ضمن الأمن الوطني للدول، وذلك عبر تحديث الجيوش، وتدشين وحدات متخصصة في الحروب الإلكترونية، وإقامة هيئات وطنية للأمن والدفاع الإلكتروني، والقيام بالتدريب، وإجراء المناورات لتعزيز الدفاعات الإلكترونية، والعمل على تعزيز التعاون الدولي في مجالات تأمين الفضاء السيبراني والقيام بمشروعات وطنية في هذا المجال.
إن معظم الدول بدأت الاستعداد لحروب المستقبل حيث ضمنتها في استراتيجياتها لمواجهة الحروب السيبرانية والتي يتم خوضها بهدف التشتيت، وإثارة الاضطرابات في عملية صناعة القرار لدي الخصوم، عبر اختراق أنظمتهم، واستخدام ونقل معلوماتهم. وأن من يحدد النصر في الحروب المستقبلية ليس من يملك القوة فقط، وإنما القادر على شل القوة والتشويش على المعلومة .وذلك تحديث القدرات الدفاعية والهجومية مطلب إستراتيجي تسعى الدول إلى تحقيقها لمواجهة مخاطر الحرب السيبرانية، كما بدأت الاستثمار في البنى التحتية المعلوماتية، وتأمينها، وتحديث القدرات العسكرية، ورفع كفاءة الجاهزية لمثل هذه الحرب عن طريق التدريب ، والاستثمار في رفع القدرات البشرية داخل الأجهزة الوطنية المعنية وتوفر الإمكانيات الفنية والبشرية بنقل تلك القدرات من الدفاع إلى الهجوم عن طريق استخدام الهجمات السيبرانية في إطار إدارة الصراع والتوتر مع دول أخرى والمشاركة الدولية في حماية البنى المعلوماتية العالمية.
وتعيش الدول المتقدمة سباق مع الزمن إلى امتلاك التكنولوجيا، وأنظمة الحماية، وتطوير قدرات هجومية تعمل على تحقيق التفوق التقني،إما عبر بناء القدرات الذاتية،أو بالاستعانة بالأفراد والشركات المتخصصة، وتطوير القدرة على اختبار مدى الجاهزية لمواجهة الهجمات الإلكترونية، وضرورة العمل على توفير الميزانيات المخصصة لتطوير القدرات في أسلحة وأدوات الهجوم والدفاع السيبراني، وخاصة مع قلة تكلفتها مقارنة بحجم ما ينفق على الجيوش التقليدية.
والتحدى المستقبلي أمام الدول يتمثل التفوق في الفضاء السيبراني أو الإلكتروني في العمل على بناء القدرات الوطنية السيبرانية للهجوم والرصد وسلامة الدفاعات السيبرانية ومنع تعرضها لأي خلل فني طارئ والأخذ بالاعتبار عند معالجة هذا الخلل أن لا يكون بمعزل عن الجوانب الأخرى المتعلقة به ويكون الحل ضمن منظومة دفاعية شاملة، وتشكل هذه المتطلبات إطاراً رادعاً لأي حرب استباقية. وذلك أطرح مجموعة اقتراحات قصيرة المدى مدتها لا تزيد عن ثلاث سنوات، بأن نبادر إلى وضع استراتيجية وطنية للفضاء السيبراني بشقيه الدفاعي والهجومي، معتمدين في ذلك على الكوادر الوطنية المتخصصة وخاصة في جوانب تقييم واختبار البنى التحتية للمعلومات والاتصالات وبناء القدرات الفنية الوطنية للفضاء السيبراني، إلى جانب توحيد جهود وإمكانات الدولة في الفضاء السيبراني بشقيه الدفاعي والهجومي، وتوحيد وتطوير وتنظيم إجراءات العمل للأمن السيبراني.
إننا في هذه المرحلة في أمس الحاجة إلى وجود مراكز حاسوبية ووسائل اتصال بديلة في حالات الكوارث الطبيعية والأزمات لا سمح الله، أو تعرضها إلى هجمات من مصادر معادية، وأن تقوم هذه الهيئة الجديدة بدراسة المخاطر والتعرف على مصادرها ومتطلباتها واحتمالات حدوثها، إضافة إلى تحديد مدى أثرها على الممتلكات المادية والمعنوية المختلفة، وحماية مراكز البيانات والاتصالات التي تخدم مرافق الحياة في القطاعين العام والخاص من قبل كوادر وطنية يتم اختيارهم بعناية، بعد إجراء المسح الأمني بشكل منتظم على جميع الأفراد والمؤسسات الذين يعملون في هذا المجال. وأيضا تطبيق المعايير التي اهتمت بها المنظمات الدولية والوطنية المتخصصة ومنها التي صدرت من «الاتحاد الدولي للاتصالات ITU»؛ و»منظمة المعايير الدوليةISO»؛ و»المعهد الوطني الأمريكي للمعايير والتقنية NIST»؛ و»المعهد البريطاني للمعايير BSI»؛ وغيرها. وتصنيف المعلومات وإعطاء الأولوية لحماية شبكات الاتصالات والمعلومات الحساسة بعد تقييمها بأيادٍ وطنية فقط وحمايتها بأنظمة فنية وطنية تشارك فيها الجهات البحثية في الدولة والجامعات والشركات الوطنية التي يعمل بها سعوديون مؤهلون وفق برنامج وطني له أهداف واضحة وزمن محدد للتنفيذ.
وتحتاج الهيئة إلى أن يكون لديها خطط لعقد ورش عمل بمشاركة المهتمين والمختصين في هذا المجال وأن يشارك فيها أكاديميون وذوو خبرة عملوا في أمن المعلومات والحرب الإلكترونية واستخبارات الإشارة، وسن قوانين تشجع العاملين في القطاعات الحكومية والخاصة في الإبلاغ عن أي تهديدات تواجههم وأن لا ينظر إليها في حال الإبلاغ عنها بأنه تقصير من العاملين على مراكز المعلومات والاتصالات، إضافة إلى تثقيف المستخدم لتقنية المعلومات والاتصالات بأخطار الهجمات السيبرانية والتعامل معها.
كما تحتاج الهيئة إلى المبادرة في احتضان المملكة للمؤتمرات والمعارض في هذا المجال، وتشجيع القطاع الخاص في بناء برامج ومعدات الحماية وبناء القدرات الوطنية التي تستطيع تقييم الأنظمة المعلوماتية في الجهات الحكومية والخاصة، وتوحيد الجهود في بناء أنظمة التشفير والإشراف عليها من الهيئة الوطنية للأمن السيبراني، وعدم حصر تهديدات الفضاء السيبراني في الكمبيوترات أو الشبكات أو البنى التحتية المعلوماتية بل إن يشمل كل جهاز أو معدة بداخلها معالج كمبيوتري.
إن المرحلة الحالية تتطلب إدخال الحرب السيبرانية ضمن العقيدة العسكرية وإيجاد تنظيم لها ضمن التشكيلات العسكرية، وإدراج الأمن السيبراني ضمن مناهج التعليم العام والتعليم الجامعي، وتكثيف عقد دورات تخصصية من قبل القطاع العام والخاص معترف بها، وأن يكون للجهات الإعلامية، دور في تثقيف المواطن بمخاطر هذا الفضاء. وتفعيل مركز فريق الاستجابة الوطني لطوارئ الكمبيوتر(CERT) وإلزام الجهات الحكومية والشركات الكبرى الوطنية والأجنبية التي تعمل في المملكة ولها علاقة بالعمل في الفضاء السيبراني ببناء فرق عمل مماثلة لـ(CERT) مرتبطة بمركز (CERT) الوطني وتحت إشراف الهيئة الوطنية للأمن السيبراني.