د.ثريا العريض
نقف على مشارف عام 2018 متسائلين متشائمين أو بالأحرى «متشائلين», بالمصطلح الذي ابتدعه الأديب الفلسطيني أميل حبيبي رحمه الله. كل عام يأتي نتمناه يحمل للعالم وئاماً وسلامًا ورضى؛ ولكنّ يدًا واحدة لا تصفق. لا يحلق حمام السلام، حيث تنطلق الصواريخ العدائية؛ وما زال بأذني دوي دفاعاتنا الجوية تنطلق لتدمر الصاروخ الباليستي الفارسي الصنع الذي أطلقه الحوثيون باتجاه الرياض, للمرة الثانية خلال 6 أسابيع. -حمانا الله من كل اعتداء أثيم-.
واضحٌ أن الأمر لم يعد خيارًا داخليًا بحتًا أمام قيادات الدول أو الشعوب, التي تعاني ظروف الحرب أو الفقر، أو تلك التي يلجأ إليها ملايين الفارين من ساحات الموت في المدن الموبوءة، وليس بالإمكان اتخاذ قرار ببناء جدران لحماية الذات من كوارث الطبيعة وشرور الطمع وفساد البشر. أصبحت المعاناة القاتلة مثل الصواريخ عابرة للحدود، وبفعل فاعل يصدر ليس فقط الأفكار الهدامة عبر الحدود إلى أوطان الغير، بل يرسل أيضًا الأسلحة التي سيقتلون بها بعضهم بعضًا, ومن يدربهم على مهارات استعمالها ويقودهم في تدمير الأوطان, ويمول الشر بتهريب المخدرات والمتفجرات وجرائم الرق وكل ما يسهم في زعزعة الأمن والاستقرار.
نعايش تصاعد الاشتباكات وقيام التحالفات, وانهيار اتحادات، وتوالى الزيارات والقمم والاجتماعات للتعامل مع المستجدات المتأزمة, وإيجاد حلول إيجابية مرضية وناجعة. فندعو بالتقارب والتعايش؛ وأن نقضي على الإرهاب وأن يستتب السلام. هناك إرهاصات تدعو للتفاؤل عربياً: دعم عالمي لحل الدولتين وعاصمة لفلسطين في القدس, بدا واضحاً في اضطرار الرئيس ترامب لاستخدام حق الفيتو في مجلس الأمن لتمرير قراره الأحادي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. ورفض 128 دولة في اجتماع الجمعية العامة في الأمم المتحدة لهذا القرار يدعو للتفاؤل، أيضاً تقارب خليحي مع العراق ولبنان ومصر, وتصدع داخلي في نظام قطر يشير لفاعلية المقاطعة من الدول الأربع المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة ومصر إلى أن تتوقف عن ممارسة دعم الإرهابيين والإخوان ومخططات إيران التوسعية. أما إيران فيبدو واضحاً من صخبها داخلياً وخارجياً أنها مصرة على سياسة التأليب للتصديع وتصدير الثورة. نظام الملالي تحول إلى بؤرة شر تولّد التطرف الديني والطائفي في الجوار. من العراق إلى سوريا ولبنان إلى اليمن وإفريقيا لم تعد أهدافه خفية. بينما العقلاء يطمحون إلى جوار يسوده الاحترام المتبادل والتعايش في سلام وكرامة, خارج شريعة الغاب وقرصنة البحار. لا أشك أن مواطني كل الدول, المتفجرة, والتي تطالها الشواظ لا يرغبون في استمرار مسلسل الدمار.. ولكن الانتهازيين لا يرون غير استمرارية التشبث بالسلطة وبمصالحهم المادية الأنانية. بالنسبة لنا وجوارنا المبتلى في الخليج, التصدي لتمادي التوغل الفارسي في شئون الجوار شمالاً وشرقًا وجنوبًا لإحداث القلقلة, لم يكن خياراً، بل ضرورة مصيرية لحماية أمننا وسيادتنا, وواجباً يفرضه علينا انتماؤنا العربي. وأطماع الملالي ما كانت سيشبعها التهام أراضي الجيران الأصغر, وإنما القصد الأخير أن تتمدد سلطتهم لتهمش صدارة السعودية وقيادتها عربياً وإسلامياً. ولذلك فقرار الدفاع عن أمن المنطقة وبناء قوة التحالف الدولي ضد الإرهاب كان قرارًا مصيريًا لابد منه سياسيًا, وإن كان عالي التكلفة اقتصاديًا وإِنسانيًا. فقط المستفيدون من تشتت العرب هم من يزعجهم تحالفنا مع الجهات الواعية لأطماعهم, وإصرارنا على حماية أمننا والجوار. قاتل الله الأطماع ومن يزرع ألغام الشر والدمار بأي موقع. أتمنى, ككل الخيرين, أن تنتهي الصراعات المدمرة، وأدعو اللأن يعود السلام والوئام إلى العالم، وأن يتوقف الغدر الذي يستهدف أمن الآمنين ويراكم الشهداء. مع العلم أنه بعد حقبة الحرائق المفتعلة, والصراع والتدمير والهدم المادي يبقى التسمم العاطفي والندوب البدنية والنفسية. والوجع لن ينتهي بمجرد توقيع قرار بالتوقف عن القتال. لابد من تطهير جراح النفسيات المتأثرة, وإعادة الأمل والتفاؤل وبدأ التعمير والبناء لما دمرته الحروب والصراعات. نعم تكلفة الحروب عالية ماديًا ومعنويًا وإِنسانيًا؛ رحم الله كل الشهداء من حماة الحدود والأجهزة الأمنية. ولكن تكلفة فقدان الأمن والسيادة أعظم. أدعو الله أن يقوينا لنحمي عروبة كل أراضي الجزيرة العربية من أطماع الطامعين.