د. خيرية السقاف
يبدو أننا مهما اختلفنا في النوع, وفي الشكل, في الأسماء, والسمات
فإننا شخص واحد تقوم عليه الحياة..
مذ النطفة, فالعلقة, فالمضغة إلى أن نتشكل بشرًا سويًا!!..
ثم ها نحن نأتي الأرض نعمرها ضجيجًا بصرختنا الأولى, ولا نطفئها بموت أحدنا, لأننا نتوالد, نكثر, وبنا تستمر الحياة في سيرورتها..
يبدو أننا واحد, مهما اختلفت ألواننا, ورغائبنا, ونمط غذائنا, ونوع أمراضنا..
نتصرف متشابهين في التعبير عن رغبتنا في الحياة, كلنا معا نتنفس من الأنف سوية, ونزفر من الفم تماما, ولنا عينان تريان, وأذنان تسمعان!!..
صه, الحشرات تشبهنا, والسمك, والزواحف, والتي تطير..
حتى الحمار, والثعلب, إيه, يشبهنا الثور, والأرنب والفأر..
هذا الفأر يمثلنا في مختبرات أدويتنا, وأمراضنا, ونبوءات تطورنا, وانقراضنا..
كلنا شخص واحد, في الطفولة نرتع في لهو وأمان, ونتشبث بثياب أمهاتنا, في مبتدأ الشباب تنتفخ أوداجنا, ونعلو بذواتنا عن سقف الانصياع, ما نلبث أن نركض, فوراء الشمس أحلامنا, حتى إذا وهن العظم منا, و»اشتعل الرأس شيبا» ادعينا الحكمة, وتبوأنا مقاعد التأمل, والصمت, والسكوت عن ضجيج الذاكرة, أو التباكي على مكتنزاتها من الندى, والبهجة, وصخب الضحكات!!..
بلى, بلى نحن واحد..
ألا نتكلم كما يتكلم واحدنا, ونبكي كالذي يهدره من الدموع, ونضحك بالقهقهة ذاتها عالية النبرة, بالغة المدى في صداها؟
ألسنا نفكر, ونشعر, نحب, ونكره, نريد, ونرفض, نصيب, ونخطئ, وتأتينا الخواطر متشابهة, والتعابير متوافقة, ولغتنا ذات حروف واحدة, مرسومة معانيها في الأذهان أشكالاً واحدة..؟
البحر أليس هو البحر نعرفه معًا, والأذى يلحق بنا فنعافه إحساسًا كالذي في الواحد منا؟
ألسنا نكرب من همٍّ, ونبهج لفرح, نسعد بانتصار, ونغبن من خيبة, في كمين الحب نقع, وفي مقصلة الخيبة نُجزّ؟!!..
بلى, بلى كلنا واحد..
وحين نفرد صفحات السرد فينا, فإنها قصة الأزل..
مذ باغتتنا فينا حقيقة أننا اخْتِرنا لنحيا, هكذا نفعل, كُلاً في الحياة..
تدور بنا عجلاتها, تجزئنا واحدًا واحدًا, وتنتهي ذات مجهول, حين تفضي بنا إلى حشر..؟!
يومها فقط نتجزأ واحدًا, واحدًا, ولا نشبه بعضنا البتة!!..