يوسف المحيميد
من أغرب التحولات الجديدة التي أصابت العالم على المستوى السياسي هي سهولة الاستفزاز، وسرعة ردود الأفعال، فلم تعد الأمور كما كان سابقًا، حيث يتمتع الساسة بالحكمة والتمهل وبعد النظر، وضبط النفس عند الغضب، فلم يختلف هؤلاء في السنوات الأخيرة عن غيرهم من الناس العاديين في الشوارع، بل إنهم أحيانًا أكثر تهورًا من الشوارعيين في أفعالهم الصغيرة والصبيانية.
فمن الأحداث الغريبة والمضحكة في آن واحد، أن الشيخ عبدالله بن زايد، وزير الخارجية الإماراتي، في حسابه الشخصي في تويتر، وليس بصفته وزير خارجية، حيث يتضح مما يقوم به من إعادة تغريدات لحسابات عادية وغير معروفة، قام قبل أيام بإعادة تغريدة شخص اسمه «علي العراقي» وهو طبيب أسنان عراقي مقيم في ألمانيا، كانت عبارة عن تذكير بما فعله التركي فخري باشا في أهل المدينة فيما يسمى سفر برلك، بجلاء أهل المدينة المنورة إبان الحرب العالمية الأولى، وترحيلهم بقطارات إلى الشام واسطنبول، وما حدث أثناء ذلك من سرقة مخطوطات المكتبة المحمودية، وربما يعرف أهل المدينة من كبار السن الأحياء، من هو فخري باشا، وما فعل في أهالي المدينة المنورة عام 1916م.
هذا الرتويت، أو إعادة التغريد، أثار غضب التركي أردوغان، إلى درجة استدعاء القائم بالأعمال الإماراتي في اسطنبول، ولم يشف غليله إلا حينما قام بتغيير اسم الشارع الذي تقع عليه سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة إلى شارع فخري باشا، في تصرف مضحك، يجعلنا ندرك أن هذه الشعوب المغلوبة على أمرها تقع تحت قيادات متهورة، وأن العالم أصبح أكثر خفة مما نتوقع!
قد لا يختلف كثيرًا ما يحدث اليوم عما يحدث الماضي، فكثير من الحروب في التاريخ الحديث انطلقت شراراتها من مواقف بسيطة وساذجة، لكننا اليوم أصبحنا أكثر سذاجة، ولم يعد للعقلاء مكان في عالم السياسة والاقتصاد، بل أصبح الجميع يسابق الجميع في الأفعال، وردود الأفعال، المضحكة، وبدلاً من التجاهل يعمد البعض إلى الإثارة، فلو لم يؤجج أردوغان هذا الرتويت العادي والعابر، لما انتبه أحد لهذا الأمر، ولما تناقلته الصحافة، ولما كتبت أنا هذا المقال، ولكن لا نملك سوى الدعاء بالهداية والتعقل لمن وراء هذه الفتن بين الدول!