محمد المهنا أبا الخيل
في مساء يوم بارد في (كلية نوتردام)، والتي أصبحت اليوم (جامعة نوتردام دينامور)، كنت وأربعة طلبة عرب وأكثر من (30) طالبا أمريكيا نحضر محاضرة في مقرر (مستقبل العلاقات العربية الإسرائيلية)، كان المقرر بالنسبة لي أحد المقررات الاختيارية، وهو مقرر (upper division)، يعني مقرر فوق البكالوريوس.
في ذلك المساء وبعد المحاضرة دعاني أحد الزملاء الأمريكيين وهو طالب دراسات عليا في الكلية، ويعمل في النهار في إدارة منطقة (سان ماتيو)، قال لي خلال العشاء « أنتم العرب لا تعلمون ماذا يحاك لكم، فلسطين هي الذريعة فقط»، لم أستسغ كلامه، بل أني تململت من حديثه، وبعد ذلك أصبحت أتجنب الجلوس حوله في المحاضرات، وأتحاشى الحديث معه، لقناعتي بكونه رجلاً مشغولاً بهلوسة المؤامرة.
هذا الحديث جرى عندما كان الرئيس (أنور السادات) يوقع اتفاقية (كامب ديفيد)، و أنا كنت من المتحمسين للسلام مع الإسرائيليين، لكون ذلك سيقودنا للتفرغ للتنمية واللحاق بركب الحضارة التي فاتت علينا ردحاً من الزمن.
سنين مضت على تلك الحادثة، ولا زال يتردد في ذهني قول زميلي الذي تجنبته « أين يقع تل هرمجدون في فلسطين؟» وحيث بحثت وسألت زملائي الفلسطينيين عن (تل هرمجدون) حينها، لم أجد جواب ذلك، لذا افترضت أن كلام زميلي هو (هرطقات مسيحية)، ويا ليتها هرطقات مسيحية فقط، بعد تلك السنين بت أبحث وأتتبع كل أثر يتحدث عن (معركة هرمجدون)، و في كل حديث مع المسيحيين الأمريكيين خصوصاً أجد لديهم إيماناً عميقاً بحتمية تلك المعركة وبروز المخلِّص الذي يحكم الأرض بالعدل لقرن من الزمان قبل قيام الساعة، وأنظر في تراثنا الديني الإسلامي بحثاً عن تلك المعركة فأجد كلاماً يتفق مع ذلك، ولكن بتسمية أخرى، ففي الحديث « لاتقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق»، وأحاديث كثيرة تتناول حتمية الحرب مع الصليبيين وبروز المهدي، ففي العمق الإيماني المسيحي والإسلامي تكمن القناعية بحتمية المواجهة النهائية، والتي يدَّعي كل فريق بحتمية النصر فيها وبروز المخلّص من معاناة الناس من صراعاتهم وإشاعة السلام.
الحركة الصهيونة التي أسسها (هيرتسل) ومولتها عائلة (روثتشايلد) حتى اليوم اعتمدت على المعتقد المسيحي بحتمية معركة (هرمجدون)، وفي خلاف مع المعتقد اليهودي العام، والذي يؤمن بقدر الله في شتات اليهود، الحركة الصهيونية اليهودية هي حدث في المعتقد اليهودي العام، ومن قاد الحركة الصهيونة العالمية هم يهود لا ينتمون للعرقية اليهودية المعروفة سامياً (السفارديم)، بل هم عرق آري يعرف بين اليهود باسم (الأشكناز)، وهم يهود متحولون، وهم الصهاينة والذين يؤمنون بحتمية عودة اليهود لجبل صهيون.
الحركة اليهودية الصهيونة ماهي إلا غطاء ومبرر للحركة الصهيونة الأعظم، وهي الحركة المسيحية الصهيونية، فمن يعتقد بحتمية معركة (هرمجدون) من المسيحين يزيد عن (200) مليون في بلدان عدة أكثرهم في أمريكا، ومعظم هؤلاء يدفع الأموال ويدعم المواقف التي ستقود لتلك المعركة، لذا علينا أن نستعد، وعلينا أن نعي أن كل ما يحاك لنا هو في سلسلة الإعداد لتلك المعركة، وعلينا أن نعي أن صراعاتنا الجانبية ما هي إلا بذور لتشتيت وحدتنا وتأهيلنا لنكون صيداً سهلا.