1 - اعتَنى هذا الدينُ العظيمُ بتسلية المصابِ وجبْر الخواطر كثيرًا، فمن ذلك: استحبابُ التعزية لأهل الميت وإطعامهم؛ تسليةً ومواساةً وتصبيرًا وتطييبًا لخواطرهم على فقْد ميتهم. وكذلك جاء الشرعُ بإقرار الدية في القتل الخطأ؛ لجبْر نفوسِ أهل المجني عليه، وتطييبًا لخواطره.
2 - ومنها قوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ} [النساء:8]. فالآية تحثُّ على إعطاء المساكين واليتامى والذين حُجِبَ عنهم الإرثُ بسبب وجود طبقاتٍ أقرب منهم إلى المورث؛ جبرًا لخواطرهم وإرضاءً لرغباتهم وكسرًا لنوازع الغلِّ والحسد.
3 - قال تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة:241]. فالطلاقُ مصيبةٌ وألمٌ، فلا أقل من مراعاة مشاعرِ المطلَّقةِ بشيءٍ مِن العطاء.
4 - أمَّا الحبيبُ - اللّهم صلِّ وسلِّم عليه - فقد كان أستاذًا في فنِّ جبْر الخواطر, جماع الخير والإحسان - اللّهم صلِّ وسلِّم عليه - فما أهداه إلى فعْل الخير! وما أعرفَه بطرق البرِّ! وما أسلكه لسبل الإحسان والفضائل! بأبي هو وأمي؛ فعن الصَّعْب بن جثامة الليثيِّ أنه أُهْدِيَ للرسول - اللّهم صلِّ وسلِّم عليه - حمارًا وحشيًّا، وهو بالأبواء أو بودان، فردَّه عليه، فلما رأي ما في وجهه، قال: (إنَّا لم نرده عليك، إلا أننا حُرُم) - أيْ مُحرِمين بالحجِّ أو العُمرة - لله أنتَ ما أعظمَك!
5 - وعندما اختصم - اللّهم صلِّ وسلِّم عليه - عنده على ابنةِ حمزة... عليٌّ، وزيدٌ، وجعفرٌ، فقال عليٌّ: أنا أحقُّ بها، وهي ابنة عمي. وقال جعفر: ابنة عمي، وخالتها تحتي. وقال زيد: ابنة أخي. فقضي به النبيُّ لخالتها، وقال: «الخالةُ بمنزلة الأمِّ» وقال لعليٍّ: «أنت مِنِّي وأنا مِنك»، وقال: «أشبهتَ خَلقي وخُلقي»، وقال لزيد: «أنت أخونا ومولانا»؛ فلم يكتفِ بالحكم، بل طيّب نفسَ عليٍّ وزيدٍ بهذا الكلام الجميل.
6 - وعن بِشر بن عقربة قال: استُشهِد أبي مع النبيِّ - صلى اللهُ عليه وسلَّمَ - في إحدى غزواته، فمرَّ بي النبيُّ وأنا أبكي، فقال لي: «أما ترضى أنْ أكونَ أنا أباكَ وعائشةُ أمَّك؟!». هكذا كان النبيُّ يطيِّبُ الخواطرَ ويجبرها عند انكسارها تفجرًا بالخير ونفحًا بالعطاء، اللّهم صلِّ وسلِّم عليه.
7 - عندما صُلِب عبدُالله بن الزبير، رضي الله عنهما، في مكة قيل لابنِ عمر رضي الله عنهما: إنَّ أسماءَ في ناحية المسجد، فما كان منه عندما سمع ذلك إلا أن ذهبَ مسرعًا يواسيها، ويطيِّبُ نفسها على ابنها. فيقول لها: «إنَّ هذه الجثثَ ليست بشيءٍ، وإنما الأرواحُ عندَ الله؛ فاتقي اللهَ واصبرِي».
8 - سمع إبراهيمُ بن محمد بن طلحة، أنَّ عروة بن الزبير قد قُطِعَت رِجْلُه وفقدَ أحدَ أبنائه؛ فذهبَ إليه يواسيه، فقال له: «والله ما بكَ حاجةٌ إلى المشي، ولا أربٌ في السعي، وقد تقدَّمَك عضوٌ من أعضائك، وابنٌ مِن أبنائك إلى الجنة، والكلُّ تبعٌ للبعض إنْ شاءَ الله، وقد أبقى اللهُ لنا منك ما كُنا إليه فقراء، مِنْ عِلمك ورأيك، والله وليُّ ثوابك والضمينُ بحِسابِك».
9 - قال قتيبةُ بنُ سعيد، رحمه الله: «لما احترقت كتبُ ابن لهيعة، بعث إليه الليثُ بن سعد من الغد بألفِ دينار».
10 - وعندما توفيت ابنةُ المهديِّ جزعَ عليها جزعًا لم يُسمع بمثله، فجلس الناسُ يعزُّونه، فجاءه ابنُ شيبة يومًا فقال له: أعطاك اللهُ - يا أمير المؤمنين - على ما رُزِئْتَ أجرًا، وأعقبَك صبرًا، ولا أجهدَ الله بلاءك بنقمةٍ، ولا نزع منك نعمةً، ثوابُ الله خيرٌ لك منها، ورحمةُ الله خيرٌ لها منك، وأحق ما صُبِر عليه ما لا سبيلَ إلى ردِّه. فلم يروا تعزيةً أبلغَ ولا أوجزَ مِن هذه التعزية، وكان مما سُرِّىَ على المهديِّ بها.
11 - مِن لطيف التعزية ما قيل من بعض الأعراب، عندما دخلَ على بعض ملوك بني العباس وقد تُوفي له ولدٌ اسمُه العباسُ، فعزَّاه ثم قال: خيرٌ مِن العباس أجرُك بعده، واللهُ خيرٌ مِنك للعباس.