د.عبدالعزيز الجار الله
كان الاقتصاد القديم يقدم للأفراد فرص عمل ومساحة التكسب والعيش دون أن يكون الشخص محتاجًا للوظيفة الرسمية، الغالبية تعمل بالمهن والحرف الأساسية منها: الزراعة المطرية والبعلية والآبار، والتجارة عبر السفن وقوافل التجارة، والصناعة التقليدية والحرف اليدوية، وطب الأعشاب، ومهن أخرى متعددة ومنوعة، وهذه المهن كانت في الجزيرة العربية قبل نصف قرن (السعودية ودول الخليج العربية)، وكان أعداد السكان قليلة ومنخفضة، وتشكل: الزراعة والرعي وصيد البحر والتجارة ومواسم الحج المصدر الأساس للدخل والعيش. كما أن الأمطار هي المحرك لاقتصاد المناطق الداخلية المجدبة، والبحار المحرك لتجارة شواطئ البحر الأحمر والخليج العربي.
الوضع الاقتصادي والسكاني شهد تغيرات كثيرة خلال العقود الماضية، فقد انتهى تقريبًا الاقتصاد القديم في السعودية والخليج من بداية السبعينات الميلادية من القرن العشرين الماضي، واختفى الاقتصاد الذي يقوم على المهن واقتصاد الأفراد ليحل بديلا عنه اقتصاد الهيئات والشركات الكبرى والعملاقة.
وهذا يقودنا إلى أن (ابن الصحراء) وسط المملكة قد تجرد تمامًا من أي دخل منفرد دون أن يكون ضمن دائرة الهيئات أو الشركات، في الوسط ليس هناك أنهار لتكون مصدرًا للعيش والحياة، ولا بحيرات ولا بحار، حتى مياه الزراعة في الطبقات الجوفية غارت (غور) ونضبت العيون وجفت الآبار فلا موارد مائية ولا زراعة، والأمطار شحيحة وغير منتظمة.
وبذلك فقد سكان الوسط وسائل العيش القديمة باستثناء المهن اليدوية وهذه تشهد منافسة شديدة من الأيدي العاملة الأجنبية، حتى الصناعة التقليدية والتعدين في الجبال والحرات والهضاب أصبحت مشروعات للشركات الكبرى، وتخضع لأنظمة شديدة من جهات التعدين، ويقاس على ذلك البحار، والطرق والنقل ومواسم الحج، والاستيراد، وتقريبًا معظم الأنشطة الاقتصادية التي كانت لا ترتبط معًا بالشركات والهيئات، وهذا يعطي مؤشرات إذا استمر اقتصادنا بهذا العطاء والأسلوب ستضرر شريحة كبيرة وجدت نفسها خارج الوظائف التي يصعب الدخول إليها، وأغلقت الشركات والهيئات الرسمية عليهم بوابة الدخول من خلال الشروط والمعايير المتشددة.