يوسف المحيميد
حينما يبادر المواطن بإعادة ما عثر عليه من آثار وقطع نادرة إلى الجهة المختصة في المملكة، وهي الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، فهذا يعني أننا نمتلك الوعي العميق بقيمة هذه القطع، ونمتلك الرؤية تجاه المستقبل، وأن هذه القطع ستؤسس لمتاحف متنوعة ومميزة، لن تكون واجهة حضارية فحسب، وإنما ركيزة اقتصادية مهمة في الجانب السياحي الذي تعمل عليه البلاد، وتخطط للوصول إليه.
فأن يعيد 140 مواطنًا ما يزيد عن 54 ألف قطعة أثرية، إلى خزينة آثار الوطن، وإخراجها من بيوتهم إلى المكان المناسب لعرضها للجميع كحق وطني من جهة، ويقين بقيمتها الثمينة من جهة أخرى، يؤكد أن لدينا آلاف المواطنين الشرفاء، الذين يحملون حس الأمانة والوفاء، ويستحقون التكريم حتى وإن كان ذلك واجبًا وطنيًا، وهو ما يقوم به الأمير سلطان بن سلمان، الرجل المعني تماما بآثار الجزيرة العربية، والتراث الوطني للملكة، وتاريخها، والأمم التي مرت على أراضيها، وهو الذي يعمل على ذلك من واقع إيمان عميق وشغف كبير بقيمة هذه القطع النادرة والمواقع الكثيرة التي تزخر بها بلادنا.
لكن الأمر اللافت، هو وعي المواطنين أيضًا وإيمانهم بقيمة هذه القطع، فها هو أحد المواطنين يدون كلمة رائعة عند إعادته قطعا لخزينة آثار المملكة: «استشعاراً للمسؤولية الوطنية تجاه القطعة الأثرية التي كنت أمتلكها وحق الوطن في هذه القطعة التي تُجسد جزءاً من تاريخه وحضارته قمت بتسليمها للهيئة بوصفها الجهة المسؤولة عن حفظ الآثار الوطنية».
نحن ننتظر بشغف المزيد من العمل الدؤوب، والإنجاز السريع لمشروعات الهيئة، وإطلاق مشروعاتها، سواء المتاحف المنتظرة، أو المواقع التي يتم تأهيلها وتجهيزها، لتصبح متاحة لزيارة السياح من داخل الوطن وخارجه، فكما اهتم المواطنون بإعادة هذه القطع إلى مكانها، هناك الملايين من المواطنين والسياح ينتظرون بشغف نهضة المملكة السياحية، خاصة في جوانبها المتحفية، فكما مررنا في الثمانينات بطفرة اقتصادية وعقارية وعمرانية، نحن نمر الآن بطفرة ثقافية وفنية وإنسانية، كأننا أنجزنا البنى التحتية للوطن، ونسير أمامًا لننجز البنى الفكرية الحداثية والمعاصرة.