د.عبدالله مناع
ظهور (المنتخب الوطني اليمني) لكرة القدم.. بملابسه الحمراء والبيضاء النظيفة.. المفاحئ وغير المتوقع على ملاعب (الكويت) في منافسات (خليجي 23) الكروية.. التي انطلقت مساء يوم الجمعة -قبل الماضي- الثاني والعشرين من شهر ديسمبر الجاري.. كان باعثاً على البهحة والسرور أياً كانت أسباب ظهوره: رياضية تنافسية.. أو (سياسية) إعلامية، تريد أن تقول لـ(الحوثيين): (موتوا بغينظكم).. ولـ(العالم) كله: إن (يمن) الشرعية بخير، وإنه يحيا ويعيش، ويأكل ويشرب ويلبس ملابس نظيفة.. بل ويشارك في المنافسات الرياضية شأنه في ذلك شأن بقية أشقائه في الدول الخليجية الأخرى.
* * *
ولكن بعيداً.. عن الأسباب السياسية أو الرياضية أو هما معاً.. فإن ظهور (المنتخب الوطني اليمني) لكرة القدم بهذه الصورة الجميلة.. كان يستدعي - بالضرورة - السؤال عن (اليمن) الممزق والتائه: بين (شرعية) عاصمته المؤقتة (عدن) وما حولها.. وعاصمته (المغتصبة) صنعاء من قبل الميلشيات الحوثية..؟ وأين هو بعد اغتيال عدو الأمس بالنسبة للحوثيين، وحليف اليوم بالنسبة لهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وانفرادهم بـ(السلطة) في صنعاء، بعد استيلائهم بـ(القوة) والسلاح -الذى أتاهم به الرئيس السابق- علي عبدالله صالح.. على أمواله وممتلكاته..!؟.
لقد أدرك الرئيس السابق علي عبدالله صالح.. الذي وضع كل إمكاناته المالية والعسكرية في خدمة تحالفه الرخيص مع الحوثيين.. بعد فوات الأوان. إن الانتماء اليمني لن يكون في النهاية (فارسياً) كما يريده الحويثون، وإنه سيبقى عربياً بين (زيديته) و(شافعيته) ما دامت الحياة.. ودام الكون، وكما تريده الجغرافيا.. ويريده (التاريخ)..!!.
* * *
إن السؤال عن (اليمن).. في هذه الأيام.. وهذه الساعات، يستوجب بالضروره السؤال عن مبعوثه الأممي لمتابعة (المبادرة الخليجية)، التي انقلب عليها الحوثيون في سبتمبر من عام 2014م: السفير إسماعيل ولد الشيخ أحمد، والذي لم يحسن منذ البداية تمركزه السياسي.. وسط الحدث.. وكان أبعد ما يكون سياسياً عن هذه (الأزمة) المنتسبة دينياً.. فكان أن خرَّب في سبيل حلها بأكثر مما أصلح، ومكّن لـ(الحوثيين).. بأكثر مما استرده منهم مما اغتصبوه من سلطات وأموال وهيمنة على البلاد والعباد.. حتى ضاع اليمن أو أوشك على الضياع لولا وقفة (التحالف العربي) المؤيدة لـ(الشرعية)، والداعمة لها، التي استطاعت أن تنقذ النصف الجنوبي من (اليمن)، وتسترد عاصمته (عدن).. لتكون هي العاصمة المؤقتة لـ(يمن) الشرعية.
ولعل المتابعين للشأن اليمني.. يتذكرون أول ما فعله المبعوث الأممي الجديد (ولد الشيخ أحمد) فور تعيينه.. وظهوره في ساحة الأزمة لأول مرة.. مع انعقاد (مؤتمر الرياض) في شهر مايو من عام 2015م لكبح جماح الحوثيين.. في محاولة لإخراجهم من (صنعاء) وردهم إلى (صعدة).. إلا أن المندوب الأممي (ولد الشيخ أحمد) أعلن ساعتها.. دعوته لـ(الطرفين): (الشرعية) والانقلابيين الحوثيين إلى أول لقاء لهم في (جنيف) لـ(بحث) الأزمة!! فكانت دعوتهم من قبل (ولد الشيخ أحمد).. هي (الاعتراف) بهم الذي كانوا يبحثون عنه أممياً.. ولا شيء سواه، فكان طبيعياً أن لا ينجح لقاء جنيف الأول.. ليصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم: (2216) الداعي لانسحاب الحوثيين من صنعاء وتعز والحديدة وإطلاق سراح المعتقلين والمختطفين والعودة إلى (صعدة).. الذي رفضوه بداية، ثم عادوا ليعلنوا عن قبوله!! ليدعوهم المندوب الأممي: ولد الشيخ أحمد إلى لقاء ثانٍ في مدينة (بيل السويسرية).. بعد أن كتبوا للأمين العام -بان كي مون- يعلمونه بموافقتهم على إنفاذ القرار 2216.. وأن لقاءهم مع (الشرعية) في (بيل السويسرية).. هو لوضع الآلية لإنفاذ القرار، ولكنهم.. عندما اجتمعوا بهم أعلنوا مجدداً رفضهم للقرار.. فلم يفعل المندوب الأممي شيئاً، ولم يستخدم أياً من صلاحياته التي يتيحها له القرار 2216 الصادر تحت الفصل السابع -وهو ما يعني استخدام كل الوسائل لإنفاذ القرار.. بما فيها القوة إن اضطر إليها مجلس الأمن، وهو ما دعا أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح.. للتقدم باستصنافة ما سمي بـ(المشاورات) بين (الشرعية) و(الانقلابيين)، ليكتشف الكويتويون بعد الأيام الأولى من تلك (المشاورات).. بأن (الحوثيين) لا يريدون (مشاورات) لإنفاذ قرار مجلس الأمن (2216).. ولكنهم يريدون أن يكسبوا ما يستطيعونه من (الوقت): لتبثيت أقدامهم في حكم (صنعاء).. وهندسة علاقاتهم المتعددة الأوجه مع (إيران).. فكان أن اعتذرت لهم (الكويت).. وطلبت مغادرتهم أراضيها.. ليعود الحوثيون بعد أن أمضوا في (الكويت) قرابة ثلاثة أشهر.. إلى (صنعاء) بـ(أقدام) ثابتة في حكمها، وطمأنينة عميقة لـ(الحليف الإيراني).. ليأتي دور (التخلص) من خصم الأمس وحليف اليوم: الرئيس علي عبدالله صالح.. الذي أعانهم في البداية، ومكنهم من كل ما وصلوا إليه ببقية نفوذه على الرئاسة اليمنية والحرس الجمهوري.. ليجري اغتياله -بين ساعة وضحاها- بتلك الصورالبربرية الهمجية التي شهدها العالم.. ولم يعرف تاريخ الاغتيالات السياسية لها شبيها!! فلم يفعل المندوب الأممي شيئاً.. وظل صامتاً أمام هذه الجريمة النكراء أياً كانت المواقف من الرئيس علي عبدالله صالح..!!.
* * *
لقد كان المندوب الأممي السابق لليمن: السفير جمال بن عمر.. أكثر شجاعة وإخلاصاً لـ(مهمته)، التي أداها بأعلى نسب النجاح.. ولم يبق له لإتمامها سوى الدعوة للاستفتاء على (دستور اليمن اليندرالي) الجديد لولا انقلاب الحوثيين على (المبادرة)، والذي حمله على التوقيع معهم.. على ما سمى بـ (اتفاق السلم والشراكه).. ولكن ومع اكتشافه خديعة الحوثيين له وللرئيس عبد ربه، وأن توقيعهم على ذلك (الاتفاق) لم يكن يعني لهم غير الاعتراف بهم.. وأنه لا خروج ولا انسحاب من صنعاء وتعز والحديدة، ولا تسليم للأسلحة الثقيلة.. ولا إطلاق سراح للمعتقلين والمختطفين.. كان يقدم استقالته لـ(بان كي مون).. ويغادر مشهد الأزمة اليمنية كله مأسوف عليه..!.
وفي المقابل.. كان تواضع مستوى الأداء السياسي للمندوب الأممي الخلف: السفير ولد الشيخ أحمد، الذي عالج به الأزمة منذ بداياتها.. أحد أسباب تعقيدها عاماً بعد عام، حتى ليلوح اليوم.. وكأنه لا مخرج فيها ولأمنها.. إلا بـ(مبادرة) سياسية اقتصادية ضخمة تكتسح أمامها غوغائية الحوثيين، وتعيد ترتيب صفوف اليمنيين، ليعود الحوثيون.. إلى موقعهم في صعدة ويتذكروا أن نسبتهم التي لا تزيد عن (10 بـ(المئة).. لا يمكن لها ان تقود الأمة اليمنية كلها.. إلى حيث تريد من المهالك..!.
وتبقى بعد هذا (صورة) المنتخب الوطني اليمني لكرة القدم.. بملابسه البيضاء والحمراء النظيفة.. تبعث بـ(بصيص) من الأمل في العودة إلى (يمن) يشبه يمن عام 2010م.. أو إلى يمن بشبه يمن ما قبل سبتمبر عام 2014م.