د.ثريا العريض
اليوم الأحد 31 ديسمبر آخر يوم في السنة الميلادية 2017, عام المفارقات وريادة التحول، وغدًا أول يوم في العام الجديد 2018.
كل عام ينصرم يترك معنا حصيلة مليئة بتداعيات خليط من الأحداث الإيجابية والسلبية. الأحداث الإيجابية جاءت بما بدد الغيوم الكئيبة, وأنعش المشاعر بتحرك تصحيحي شامل, أطلقته رؤية ثاقبة، وقرارات حازمة وحكيمة، عبر تفعيل فكر الوسطية والاعتدال، وإعادة الحياة الطبيعية التي عرفها آباؤنا قبل استشراء فكر الغلو ومظاهر التنطع ونشر ثقافة التحريم والتلذذ بالموت المادي والمعنوي. قرارات ريادية أنهت جفاف الحقبة الماضية ثقافيًّا, وأعادت إلى مجتمعنا ابتسامات الراحة, ونشاطات ثقافية جاءت بسرعة مبهجة، تحول فيها مذاق أيامنا إلى استعادة طقس الأمل والابتهاج والتفاؤل؛ إذ توضح الجميع أن وعود رؤية التحول تجسدت واقعًا محسوسًا ومعاشًا, وأننا نستعيد أجواء ما قبل الغلو والتطرف والتسيب, ونسمح بالترفيه, ونرى نجاحًا جليًّا في محاربة الإرهاب والفساد, ومواصلة حركة الفنون بكل أنواعها. وبتمكين المرأة, واستنهاض القطاع الخاص للمشاركة في تحمل مسؤولية البناء التنموي, واستعادة حس التنافسية لمواكبة التطور العالمي تقنيًّا, واجتذاب الاستثمار, وبناء اقتصاد وطني بتوطين الوظائف، وتدريب الشباب، وتكريم المواهب، وتشجيع المبادرات، وتقليص العمالة الوافدة, وتوليد الدخل من مصادر غير نفطية كالسياحة والصناعة والتعدين, يبدو الهدف الأعلى ممكن التحقق, وهو الخروج من كمين الارتهان بالاعتماد على مصدر واحد للدخل ونهج السياسة الريعية. وقد نكون رغبنا فيه أن تنقضي السلبيات إلى غير رجعة, ولكن الواقع لا يخضع للتمنيات, وجاء مثقلاً باستمرارية مؤلمة لتداعيات وتأزمات السنوات الأسبق وتفاعل مستجداتها؛ فعايشنا الاستنفار لحماية الأمن والحدود, وتواصل جهود التحالف لدعم الشرعية والاستقرار في اليمن، وتمسكنا بحزم بتنفيذ تحذير البحرين والإمارات والمملكة العربية السعودية ومصر لقطر, ومقاطعتها, ومطالبتها بإيقاف شر إعلامها المؤجج للإرهاب في الجوار عبر تأليب قناتها الجزيرة, ودعمها لكل ما يسبب التصدع في الجوار. والحقيقة إن نشاطها الهدام اللامنطقي, وبتناقض غير قابل للفهم، يتماشي مع الطموحات التمددية لإيران وإسرائيل وتركيا والإخوان.
ما الذي سنرى في 2018؟ بالتأكيد لن تكون مسيرة رغدة سهلة, بل تفعيل فكر وثقافة بذل الجهود بجد. فالتحول يعني ارتقاء الفكر العام إلى مستوى تفهم ضرورة تغيير كل التصرفات اليومية, واعتناق قيم احترام النظام والحيز العام وحقوق الآخر والبيئة, والتخلي عن معتاد المريح السلبي كالهدر والتبذير والأنانية والازدواجية والمحاباة الفئوية وإقصاء الآخر.
أرى 2017 بدء ترسيخ أسس الوطن على أرض واقع مثالي, وقد يراها غيري فاتحة لمعاناة المواطنين ماديًّا.
نعم إجراءات الانتظام وشد الأحزمة ضرورية, ولكنها ليست بدء معاناة المواطن بل الخطوة الأولى نحو العلاج الناجع لاختلال أوضاع اليوم, والتعديل وتأهيل المواطن لينال حقوقه ويقوم بواجباته بانتماء كامل الالتزامات والتوازن.
فكل عام ونحن والوطن في صحة كاملة، وكل عام وجميع الطيبين والساعين إلى الإنتاج بخير ورضا وتوازن شامل.