د.عبد الرحمن الحبيب
من الطبيعي أن نجد هجمات إعلامية تسعى لتشويه سمعة السعودية بمعلومات مغلوطة أو مجتزأة من سياقها، فالمملكة قوة إقليمية عظمى اقتصادياً وسياسياً وثقافياً تتوجه إليها الأنظار. المشكلة ليست هنا، بل في أدائنا الإعلامي المستند على نظريات إعلامية بالية انتهت صلاحيتها في زمن الإنترنت..
مشكلة إعلام أية دولة عندما يخاطب نفسه، ويخاطب الآخرين بنفس اللغة الداخلية غير مكترث بوجهات نظر العالم الخارجي! نحن في زمن الإعلام الإلكتروني الذي تتكسَّر فيه حدود الدول ويختلط به الحابل بالنابل، ولا يكفي معه طرح الحقائق، بل طريقة عرضها. يجب تغيير النظرية التقليدية القائلة بأن المنجزات والحقائق تتحدث عن نفسها أو القول إنه بالنهاية لا يصح إلا الصحيح.. فالبضاعة الجيدة لن تنجح إذا كان تسويقها وإعلامها رديئاً، والعكس صحيح لطالما نجح تسويق بضاعة رديئة بسبب حسن تسويقها..
لن يجدي الاكتفاء بالحقائق التقريرية دون مراعاة أسلوب عرضها وتوقيته ومكانه ومعرفة الجمهور المستهدف سواء الجمهور العادي أو المؤسسات السياسية والإعلامية ومراكز البحث التي تصنع الرأي العام.. فليس المهم ما تقوله، بل كيف تقوله.. ففي زمن الإنترنت طريقة عرض الوقائع أهم من حقيقة هذه الوقائع.. خذ مثلاً هذه الأيام في «السوشل ميديا» طريقة العرض الإعلامي الناجحة حالياً هي المعتمدة على مقطع فيديو جذاب قصير، سهل الفهم، يراعي ذوق الجمهور وسرعة تدفق المعلومات، ويجمع بين الحقائق والإثارة؛ أو نص قصير يحمل نفس سمات المحتوى المرئي.
ونلاحظ في التلفزة أن أفضل من يؤدي دور الدفاع عن رسالة المملكة هي قنوات القطاع الخاص، مثلما نلاحظ أن السعوديين في «السوشل ميديا» صاروا خط الدفاع الأول عن المملكة خاصة في تويتر.. كذلك نلاحظ في القنوات الدولية ظهور مجموعة من الشباب السعودي الهادئ في الرد على الأسئلة المستفزة، والمُطَّلع على تفاصيل خلفية الموضوع، والعارف بنوعية الجمهور الخارجي المستهدف، بحيث يجمع بين الحقائق التقريرية والأسلوب الجاذب..
وإذا كان هذا التحسن جيداً إلا أنه غير كاف لأنه يعتمد على جهود أفراد ومؤسسات مبعثرة، فنحن بحاجة لمؤسسات عامة ترعاه وتضع له مناهج فعَّالة عبر خطة إستراتيجية واضحة المعالم وذات أهداف محددة وآليات تطبيق عملية يديرها كوادر ماهرة وقامات إعلامية وثقافية حصيفة تتواجد في المكان الصحيح بالتوقيت الصحيح..
لذا كان من الجيد أن وزارة الثقافة والإعلام قامت بتخصيص قناة الإخبارية بعدما أصدر وزير الثقافة والإعلام الدكتور عواد العواد قراراً بتعيين الرئيس التنفيذي لهيئة الإذاعة والتلفزيون الأستاذ داود الشريان رئيساً لمجلس إدارة شركة شبكة الإخبارية. والواقع أن الوزارة تقوم هذه الأيام بعمل دؤوب لتطوير قطاع الإعلام وهو القطاع الذي لم يمسه تغيير يناسب رؤية المملكة 2030 إلا في الشهرين الأخيرين بداية بإنشاء «مركز التواصل الدولي» ونهاية قبل أيام بتخصيص قناة الإخبارية..
وحسناً فعلت الوزارة بإنشاء «مركز التواصل الدولي» الذي ما زلنا نتطلع لجهوده كما جاءت في قرار إنشائه بتعزيز العلاقات مع وسائل الإعلام الدولية، والمزيد من الانفتاح على الجمهور العالمي، للتصدي للحملات الإعلامية الهادفة لتشويه سمعة السعودية بمعلومات مغلوطة. وليس هذا فحسب، بل - ولعله الأهم - العمل كحلقة وصل وتنسيق مع الجهات العالمية من وسائل الإعلام ومراكز أبحاث ومؤسسات ثقافية، واستضافة إعلاميين عالميين.. هذا الانفتاح على الإعلام العالمي يدعو للتفاؤل بأن يكون للإعلام السعودي دور فعَّال في إيضاح وجهة النظر السعودية للعالم. ولا ننس أن هناك أصواتاً (إعلامية وثقافية) غير سعودية تدافع عن وجهة نظر المملكة في المحافل الدولية والإقليمية لكنها لا تلقى رعاية من قبلنا، وتُترك وحيدة في تلك المنابر.. يجب دعمهم وعدم تركهم وحدهم..
ينبغى ألا نخاف أو نتذمر من نقد الآخرين للسعودية وحتى هجومهم المغرض والافتراءات.. فهي حتمية تأتي من خليط من منظمات مستقلة وغير مستقلة.. تنتقد الجميع حتى أمريكا ودول أوربا الغربية، والسعودية من ضمنها ولكنها ليست من أولها.. في خضم هذا الخليط يجب عدم تحويل المحايدين إلى خصوم إذا هاجمناهم بطريقة غير حصيفة.. فالمحايدون من الجهات المنتقدة (مثل المنظمات الحقوقية) تنتقد كل دول العالم، وأسئلة المذيع المحايد هي انتقادات مطروحة على جميع الدول..
هذا لا يعني ندرة المتربصين بالتشويه المقصود للمملكة من قنوات إعلامية إقليمية ودولية بعضها له أهداف غير مرئية وبعضها مدفوعة الثمن من النظام القطري أو الإيراني ويروّج لها أحزاب وأفراد ذوي إيديولوجية معروفة بعدائها للمملكة.. لكن في مجابهتها من المهم تجنب الانزلاق للأسلوب الغوغائي، وفي نفس الوقت يجب عدم تركها دون رد موضوعي واضح جذاب وسهل..
في حوارات إعلاميينا السعوديين مع القنوات الدولية، ينبغي التركيز على هذه الخصائص الإيجابية لتجاوز سلبيات المرحلة السابقة، التي كان يكتنفها ما اسميه الأخطاء الستة، وهي: ضعف الاطلاع على تفاصيل وخلفية الموضوع قيد النقاش؛ عدم تحديد الجمهور المستهدف؛ تحويل المحايدين لخصوم؛ الانفعال؛ الخلل المنهجي في الردود على الأسئلة مثل تحويل الجواب إلى سؤال؛ الاكتفاء بالحقائق التقريرية دون مراعاة أسلوب عرضها.. فليس المهم ما تقوله، بل كيف تقوله..