يوسف المحيميد
كثيرًا ما تلفت انتباهي حيوات الفنانين والفنانات، وبالذات الشعبيين، الذين كان لهم انتشار كبير على المستوى الشعبي زمن السبعينات الميلادية من القرن الماضي، فلكل منهم حياته الخاصة، ومعاناته الشخصية مع مجتمع يرفض الغناء علنًا، ويستمتع به في الخفاء، خاصة في نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات، على سبيل المثال عيسى الإحسائي وبشير شنان وفهد بن سعيد وعبدالله الصريخ، وابتسام لطفي، وعتاب، وتوحه، وصالحة وغيرهم.
معظم هؤلاء تعرضوا لملاحقة المجتمع والتضييق عليه، وبعضهم مورست عليهم ضغوط حتى أعلنوا توبتهم، بمن فيهم الفنان الكبير محمد عبده، ويزداد الأمر سوءًا مع المغنية المرأة، فتضطر إلى التوقف عن الغناء، أو السفر إلى خارج البلاد، كما حدث مع الفنانة السمراء عتاب، التي كانت إحدى أشهر الأصوات القوية في مناسبات الأفراح في الرياض، وذلك في منتصف السبعينات، قبل أن تترك الوطن نهائيًّا إلى مصر.
هذه الفنانة الراحلة تذكرني طفولتي، حيث تغني في أحد القصور قرب بيتنا في عليشه، فيضج صوتها ليلا في سماءاتنا، تذكرتها هذه الأيام، وقد خصص لها محرك البحث الشهير جوجل أيقونة بحثه في الثلاثين من ديسمبر الماضي، بمناسبة يوم ميلادها من العام 1947، وهي تقف مبتسمة وبيدها مايكروفون، وكأنما العالم يتذكر هؤلاء ممن أشعلوا شموع الفرح في مجتمعاتهم قبل أن تطفئها تلك المجتمعات بتشددها وتزمتها، كما حدث لنا أواخر العام 1979، ليحاول إنصافهم بعدما قمعتهم مجتمعاتهم بقسوة في ذروة مجدهم.
كم أفكر بهؤلاء الذين يأتون في زمن غير مناسب، أو في مكان غير مناسب، ممن يقضون حياتهم بين أحلامهم البسيطة وبين صخب الواقع وتحولاته، ماذا لو جاؤا في زمن آخر، أو عاشوا في مكان آخر، كيف ستسير حيواتهم، وإلى أين تمضي مصائرهم؟ وكيف تزدهر مواهبهم وتكبر أحلامهم؟