عروبة المنيف
المستفيدون من التلاعب الإعلامي يعملون على تكوين صور أو جدالات تتناسب مع مصالحهم واهتماماتهم ما يجعلهم يستعينون بأساليب تهدف لممارسة الاستغلال النفسي للمتلقين أو نشر المغالطات والخداع الصريح بأسلوب بلاغي وبطرق تشجع على نشر الإشاعات والأكاذيب وتشمل في الغالب أسلوب قمع المعلومات والتلاعب بها بهدف تحويل الرأي العام إلى وجهة أخرى، وقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي الآن أداة لهذا التلاعب الإعلامي بشكل كبير.
تم مؤخراً نشر خبر في إحدى الصحف المحلية، يشير إلى إحصاءات رسمية صادرة عن الهيئة العامة للإحصاء، ويكشف الخبر عن زواج ما يزيد عن نصف مليون سعودية قاصر، أعمارهن تتراوح بين «15، 16،16» سنة وفي عام واحد فقط، من الربع الأخير لعام « 2016» إلى الربع الثالث من عام «2017»، منها «167.000» قاصر تزوجن في سن الخامسة عشرة وخلال عام واحد فقط! اللغط في المعلومة هنا يكمن في تساؤل بديهي وهو، كيف يعقد قران نصف مليون سعودية في سنة واحدة ومن القاصرات، مع العلم أن الإحصاءات المعلنة من وزارة العدل تشير إلى أن عدد صكوك الزواج بمجملها لم يتجاوز 133.600 عقد قران لسنة واحدة!
بعد نشر الخبر وتصدره هاشتاقات تويتر، أكد المتحدث الرسمي للهيئة العامة للإحصاء عدم صحة الخبر وأن ما تم تداوله من أرقام غير صحيحة ومبنية على تحليل واجتهادات لم توفق فيه الصحيفة مصدر الخبر. بدون شك، الهيئة العامة للإحصاء بنشرها للإحصاءات بشكل مستمر تعبّر عن التزامها بمبدأ الشفافية الذي تؤكد عليه رؤية 2030 ، ولكن عدم الالتزام بالاحترافية الصحفية عند النشر ساهم في تسطيح المعلومات المنشورة والتعامل معها بأساليب ساهمت في التضليل الإعلامي الذي لن يخدم الرأي العام الداخلي أو الخارجي على السواء، ما سيعمل على تشويه الحقائق نظراً لاستناد الخبر على إشاعات وأكاذيب تساهم في ترويج دعاية سلبية عن المملكة سواء في الداخل أو الخارج. هذا لا يعني أنني أدافع عن ظاهرة تزويج القاصرات السلبية، فأنا ضد مبدأ تزويج الأطفال وضد أي وسيلة تهدف للاتجار بالبشر، فقد أثبتت غالبية الدراسات في المملكة بأن أحد أهم أسباب تزويج الفتاة القاصر هو طمع الولي بمهرها! الإشكالية هنا تكمن في عملية التحقق من الأرقام المعلنة للوصول إلى وعي جمعي بمدى خطورة الظاهرة محل الخبر لإيجاد حلول منطقية لها، فلا يكون الهدف مجرد إثارة الرأي العام الذي يؤدي إلى التضليل.
من المتوقع ظهور سلوكيات غير أخلاقية أو غير احترافية في التحليلات الإحصائية، حيث يسهل استغلال وإخفاء البيانات ويتم عرض فقط المرغوب فيها من البيانات لا ما تقوله البيانات. إن الأرقام لا تكذب لكن تفسيرها وعرضها قد يقود إلى تضليل الرأي العام من خلال الضجيج الإعلامي الذي أحياناً قد لا يهدف إلى أجندات مشبوهة بقدر ما هو قصور في الاحترافية المهنية.