د. جاسر الحربش
الحماس لتوظيف الشباب السعودي والاعتراف بتواضع مواصفاته الإنتاجية شيء آخر، والاعتراف جزء مكمل للحماس المشروط للتوظيف. المورث الأكبر لتردي إنتاجية العمل المكتبي والمهني كان القطاع العام، أي الوزارات والمؤسسات والدوائر الحكومية، بدءاً من موظفي الخدمة المدنية مروراً بالعاملين بالمهن الفنية وانتهاء بعساكر الدوريات والمرور.
التسيب كان شاملاً بحيث اخترق المحاكم الشرعية وكتابات العدل التي هي ما هي في الأهمية الاجتماعية المفترضة للأخلاق والنزاهة والتقوى.
الموظف والعامل السعودي في ذاكرة ما قبل الطفرة الاقتصادية الأولى كان حسن الأداء والتعامل مع الوقت والعمل والزبون والمراجع.
على سبيل المثال المدرسون في ذلك الزمن كان الواحد منهم في التفاني والطموح يعادل مائة من أجيال المعلمين في سنوات ما بعد الطفرة، وموظف البلدية كذلك كمثال آخر.
الذي حصل آنذاك وأفسد الموجود هو أن خزائن الدولة امتلأت بعوائد النفط فأصبح الحصول على العامل البديل المستقدم أسهل بل وتحول إلى تجارة بشرية، وأصبحت ترضية المواطن باشراكه بجزء من الثروة الكبيرة مقابل لا شيء أيسر، والحاجة إلى تربية أجيال وطنية كادحة بالمعنى الاقتصادي الإنتاجي لا لزوم له.
لم تكن هناك سياسة وطنية لصنع الإنسان المنتج، اللهم إلا في مجال التخصصات الطبية، وحتى هذه الجزئية تمت في حدود ما زالت بعيدة عن الحاجات الفعلية.
ماذا كانت النتائج؟، هي ما نراه ونعانيه اليوم مع الموظف والمهني السعودي من الجنسين.
الالتزام بساعات العمل مهزوز والتركيز على جودة الأداء مخروم وطريقة التعامل مع الزبون والمراجع عنجهية جلفة، وبالذات في قطاعات الخدمة المدنية والمؤسسات الصحية والتعليمية.
الشذوذ عن القاعدة نجده في البنوك المزدوجة الجنسية ومثيلاتها من الشركات المعولمة، حيث يتوفر التدريب المهني قبل التكليف بالعمل، مع وجود المكافأة المالية المجزية مشروطة بامكانية التسريح الفوري عند الإخلال العملي أو الاجتماعي.
الآن نحن بصدد تسيير عربة اقتصادية جديدة تختلف جذرياً عن عربة الطفرة، ولكن الأحصنة المطلوب منها تحريك العربة ما زالت إلى حد كبير بنفس المواصفات القديمة.
نعم توجد بعض بؤر التحسن الواعدة هنا وهناك وبدايات مبشرة في توجه الشباب إلى الأعمال الحرة، ولكن التدريب على أخلاقيات العمل ما زال غيركاف لتحريك العربة الاقتصادية وتزييت عجلاتها بالمكافآت والحوافز المجزية، أما الشعارات الرنانة لتحفيز المواطنة فهي مجرد كلام.