خالد بن حمد المالك
لا يحتاج ما يجري في إيران إلى سؤال أو أسئلة عن أسباب هذه الثورة العارمة، فهذه الاحتجاجات القوية، الممتدة إلى كثير من المدن، بشعارات المحتجين ضد نظام ولاية الفقيه الفاسد، وبالتصميم الذي يواجه الهروات وإطلاق الرصاص على المتظاهرين، هي تعبير رافض لممارسات وسياسات وقمع هذا النظام المفرط في قتل الشعب، وتأكيد من شعوب إيران على أن للصبر حدوداً، وأن السيل قد بلغ الزبى في الظلم والقهر والتسلط والحرمان، دون بارقة أمل في أي استجابة لمطالب المواطنين.
**
نعم هناك قتلى ومصابون، وهناك سجون امتلأت بالمساجين من المتظاهرين، وأن الأعداد تتزايد، ومعها يزداد عدد المحتجين، ومعها يزداد إنزال المزيد من قوات ما يُسَمَّى بالحرس الثوري وكذلك الباسيج لتخويف المحتجين، والتعامل معهم بقسوة تصل إلى إطلاق النار عليهم بشكل مباشر لكي لا يتزايد عدد المتظاهرين، بينما يمرُّ قرابة أسبوع منذ بدء هذا العصيان، وما زال فتيل المعركة الميدانية مع قوى النظام مشتعلاً.
**
هذا النظام الفاشي الذي سرق ثورة الشعب على الشاه، وحوَّلها إلى دولة فاشلة يقودها فكر متخلف باسم ولاية الفقيه، بعد أن نسبت الثورة إلى الخميني الذي عاش بين العراق وفرنسا، هروباً من المعركة، مكتفياً بأقوال عبر أقراص الكاسيت، بينما كانت الشعوب الإيرانية تتحمل في صدورها العارية رصاص السافاك وظلم وقهر النظام الإيراني إبان حكم الإمبراطور شاه إيران. أما وقد تمادى نظام ولاية الفقيه في جبروته وقهره وظلمه وفساده، فها هم شعوب إيران يتحررون من الخوف، ويخرجون بهذه الأعداد الكبيرة إلى الشوارع لاسترداد ثورتهم من خاطفيها.
**
إنَّ غضب الإيرانيين، ومن كل التيارات، على نظام الملالي، إنما هو غضب يرتبط بمظالم عميقة داخل المجتمع الإيراني، فلا تكاد تعرف عن بيت واحد في إيران دون أن يكون قد اختُطف أو قُتل أحد أفراده، ولا يمكن لنا أن نتصور أن مَنْ يحاربون في غير أرضهم من الإيرانيين، في اليمن وسوريا والعراق وغيرها، قد عادوا أو سوف يعودون إلى إيران سالمين من إعاقة، أو أن أياً منهم لم تصله رصاصة قاتلة، بينما هو يؤدي مهمة عسكرية عدوانية وإرهابية تدفع ثمن تكاليفها خزينة المال العام في إيران.
**
الثورة الإيرانية تكبر يوماً بعد يوم، ويزداد عدد المشاركين في الاحتجاجات، وتتسع رقعتها، بما يجعل حسم المعركة آتياً لصالح الثوار الشرفاء، وبما يؤثر على احتمال سقوط النظام وفق تقديرات وحسابات المتابعين للشأن الإيراني. وهذا يعني أن منطقتنا سوف تشهد استقراراً وهدوءاً وتخلصاً من وجع الإرهاب، وهذا يعني ثانياً أننا مقبلون على مرحلة جديدة من التفرغ لبناء علاقات حُسن جوار مع إيران بعد أن أفسدها وحوَّلها إلى صراع دائم هذا النظام البغيض، بسبب تدخله السافر في الشؤون الداخلية لدولنا، وتزويده للإرهابيين بالمال والسلاح والرجال، مع مساندة إعلامية تناغماً مع أفكارهم المريضة.
**
يحاول نظام الملالي من خلال المرشد الأعلى علي خامنئي أن يصوِّر المظاهرات على أنها تعبِّر عن احتقان من الوضع الاقتصادي المتردي، والصحيح أن مصدر تحرك الإيرانيين، وخروجهم في احتجاجات مدوية في شوارع المدن الإيرانية، هو الشعور بالإحباط بعد عقود من الزمان، شهد فيها المواطنون انصراف النظام باهتماماته نحو التخريب والمؤامرات والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار، وهذا كلَّف خزينة الدولة المال الكثير على حساب قوت الشعب، كما أنَّ هذه السياسة الإجرامية تركت طهران بلا دول صديقة، وأصبحت ممارساتها التآمرية والعدوانية سبباً في إيقاع العقوبات الدولية عليها، ما جعل المواطنين ينظرون إلى هذه السياسة على أنها نموذج يرتبط بمظالم عميقة داخل المجتمع الإيراني، وأنه آن الأوان للتخلص من هذه الطغمة الفاسدة التي تهيمن على القرار في إيران.
**
إن هذا النظام القمعي المجرم في إيران لن يكون بعد الآن في مأمن من محاسبة المواطنين، فهذا الذي أسقط الشاه قادر على أن يسقط هذه المجموعة التي ورَّطتْ إيران في صراعات مع دول الجوار، وهمَّشتْ المواطنين من أي مشاركة في إدارة البلاد، فضلاً عن أنها متورطة - وهو ما لا يقبله المحتجون - في جرائم القتل والإرهاب في سوريا والعراق ولبنان واليمن وغيرها.