د. فوزية البكر
لم يكن وداع عام 2017 بالأمر السهل على العالم بالنظر للأحداث الكبيرة التي حفل بها والتي لم يكن أقلها انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة وصعود نجم الرئيس الفرنسي الشاب ماكيرون لقيادة أوروبا العجوز بعد قرار بريطانيا (المذهل) للخروج من الاتحاد الأوروبي وفوز أنجيلا ميركل كمستشارة لألمانيا للمرة الرابعة والقفزات المذهلة للعملة الإلكترونية (بيت كوين) حتى بين ظهرانينا رغم تحريم مفتي مصر التعامل معها لما يحمله ذلك من أخطار مثل تقليل قيمة العملة التقليدية واحتمال استخداماتها في أعمال غير مشروعة كغسيل الأموال أو بيع المخدرات الخ.
كيم جونغ أون زعيم كوريا الشمالية لم يقصر في حبس أنفاسنا وما زال (بضغطة من إصبعه على زر أحمر يقع كما يقول على يمين مكتبه!) فيكاد يوقف قلب العالم وقلوبنا بالرغم من أننا هنا في الشرق الأوسط وعلى الرغم من نجاحنا في الانتصار على الرعب الأكبر (داعش) ودحره في أهم معاقله إلا أن المنطقة ككل تغلي لكن ليس على نار هادئة كما كنا دائمًا نردد بل على سلسلة لا تتوقف من التحديات المتعاقبة بعضها يتعلق بمحاربة الإرهاب والبعض الآخر ذو علاقة بالموقف الأمريكي المتردي من قضية فلسطين التي كانت وما زالت وقودًا يشعل الالتهابات في مناطق العالم عدا عن ضرورات التكيف الوطنية والعالمية مع الانخفاض الكبير في أسعار النفط وتحديات ما يسمي بالقرن الواحد والعشرين من حيث التعامل مع التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي وقضايا المهاجرين والعالقين والمهربين عبر مناطق الصراع في آسيا وإفريقيا بحثًا عن فرص حياة أفضل. لم يعد العالم حالما ووديعًا، كما كانوا يقولون لنا حين كنا صغارًا نتطلع بأمل وشغف لمستقبل واعد زاهر بالعلم واحترام حقوق الإِنسان، عالم تتسامى فيه المثل العليا كالحق والعدل والديمقراطية والتسامح التي سيعمل بنو الإنسان على رعايتها لأعمار العالم وقهر تحدياته؟ فما الذي تغير؟ ولماذا يقف كل منا بقلب وجل لا يعلم ما ينبئ له الغد من تحديات؟ نعم إنني أقف أمام اليوم الأول من عام 2018 وأنا أحدث نفسي حول أنجع السبل لمواجهة الاحتمالات التي لا تنتهي لأحداث قد تقلب الموازنات المعتادة في لحظات إِذ كيف على سبيل المثال تراجع فجأة سعر البترول حتى اضطرت الدول الخليجية الغنية إلى إجراءات لم تعتدها كرفع الدعم عن بعض السلع الأساسية ورفع سعر المحروقات وما يتبع ذلك من تغيرات كبيرة في نمط المعيشة اليومي ونسب الاستهلاك فبدل أن أرسل سائقي إلى البقالة مرتين أو ثلاث لإحضار بعض الاحتياجات، على اليوم أن أفكر في سعر البنزين الذي تضاعف وأن أفكر في إعداد قائمة بما احتاجه وهذا سيعلمني أكثر من شيء: أولاً سأعرف بالضبط فعلاً ما احتاجه فاستغني عمّا لا احتاجه مما يصادفني من مغريات المتجر، كما سيعلمني هذا ضبط ميزانيتي فلدي الآن قائمة مسجلة بتاريخ محدد وربما مع الأشهر سيظهر لي أين تكمن مشكلة مصاريفي الثانوية.
الآن على كامرأة من الطبقة الوسطى السعودية أن أفكر كثيرًا قبل شراء شنطة ماركة فهي قد تكون ثقيلة الحمل حتى في مكان العمل، كما أن الأحذية تتغير بسرعة عجيبة تجعل ملاحقتها مع الماركات العالمية أمر يشبه المستحيل.
على أن أفكر أيضًا في ماذا كان على أن أقلد كل نظام اجتماعي تخترعه أو تتبناه إحداهن من إحدى دول الخليج ونبتلي نحن الباقيات بفكرة (الضرورة الاجتماعية) لذلك مثل استقبال المواليد في المستشفيات الخاصة التي أصبحت كالأعراس وبدل أن تفكر المرأة في طفلها القادم ورعايته تغرق في تفاصيل لا نهاية لها حول أنواع الورود والشوكلاته والعصائر والصبابات الخ والأمر نفسه ينطبق على فكرة الأعراس المذهلة في تكلفتها وهي فقط لليلة واحدة يقوم بعدها الفندق بإلقاء كل شيء إلى صندوق الزبالة سواء تعلق الأمر بالديكورات أو الورد أو الزينات ليبدأ الصرف الجنوني على ديكور وورد وشوكلاته وموسيقي ليلة واحدة أخرى لعروس جديدة لا تستمع فيها ولا أمها بالمناسبة لما يرهق كواهلهن من توقعات اجتماعية لا تنتهي.
هل ستضطرنا التنظيمات الحكومية الجديدة إلى إعادة ترتيب أولوياتنا ليس كما يتوافق مع توقعات الآخرين، بل بما يتناسب معنا نحن أولاً كأفراد أسرة لكن من الشجاع الذي سيستطيع هزيمة التوقعات الاجتماعية التي راكمتها فترة النفط الرخيص؟ من يعرف أحدًا يرسل لي حسابهم على توتير للمتابعة.