عبدالعزيز السماري
من الأهمية الإستراتيجية أن يتحقق التوازن المالي في المملكة، وهو خطوات تعتمد على عدة حلول لرفع العائد المالي غير النفطي، وقد بدأت بالفعل مراحل أكثر تشدداً على الوصول إلى تلك الحالة الضرورية للبلاد، ولكن السؤال هل من الممكن أن نصل إليه بدون سياسة شد الحزام على حاجات ورفاهية المواطن، وهل توجد حلول اقتصادية منتجة تؤدي لنفس الهدف من خلال استغلال الطاقة الشبابية في البلاد بعد توظيفهم في مشاريع مجدية اقتصادية.
سبق أن كتبت مقالاً قبل عام عن ارتفاع تكاليف الحياة في البيئة الطاردة، وهو ما يعني أننا لم نتحول بعد إلى بيئة جاذبة للزوار والسياح، وما زال الكثير منا يهربون من حرارة الجو الشديدة في الصيف إلى أماكن معتدلة، وقد تمت إضافة عامل آخر إلى علل الهروب، وهو ارتفاع فواتير الكهرباء، وليست العلة في ارتفاع أسعار الكهرباء عند مقارنتها ببقية العالم، ولكن لأن المواطنين يستقرون بنسب عالية في أكثر مناطق العالم حرارة، وهو ما يجعل من سعر تكلفة العيش فيها صيفاً مرتفعة جداً..
كان من المفترض أن يتم تشجيع بدائل الطاقة مبكراً، وقبل رفع أسعار الكهرباء بعدة سنوات، وخصوصاً الطاقة الشمسية، والتي تقدَّمت بشكل مذهل، وصارت مجدية في دول أقل دخلاً من المملكة، وجاء القرار متأخراً، فعند التقديم على الطلب يكون الجواب من فروع الشركة أن لم يصلهم إلى اليوم تعميد لخدمة المواطن في هذا الشأن الضروري في هذه المرحلة المكلفة .
أفهم أيضاً جيداً سبب رفع أسعار الوقود، فقد كان زهيداً عند مقارنته ببقية العالم، ولكن كان لذلك أسباب، فقد تأخر توطين وسائل النقل الحديث البديلة عند مقارنتها بالآخرين، وما زلنا من الأقل في العالم، ومن أراد أخذ صورة انطباعية عن هذا المشهد فعليه التصوير مع أحد «أتوبيسات» خط البلدة المترهلة، والتي لا تتوفر فيها أي وسيلة للسلامة، وما زالت تعمل داخل المدن إلى اليوم..
كان القرار الإستراتيجي الآخر هو رفع أسعار المياه إلى درجة عالية، وكان الهدف منه المحافظة على الثروة المائية، وهو هدف وطني مهم، لكن ظروف البنية التحتية أيضاً لا تخدم هذا القرار، وهو ما يعني تحول المدن الكبرى على مدار السرطان إلى أفران ملتهبة بعد توقع انحسار الغطاء النباتي البسيط داخل المنازل وخارجها بسبب ارتفاع التكلفة، ويعود السبب إلى التأخر الحكومي في تطوير مشاريع معالجة مياه الصرف، وبدون مبالغة نحن أيضاً من أقل دولة العالم لمعالجة مياه الصرف لخدمة ري الحدائق داخل البيوت وخارجها، وذلك من أجل المحافظة على البيئة الخضراء في المدن.
قد لا نختلف كثيراً على وجوب تعديل أسعار المياه والكهرباء والوقود، لكن كان ينبغي تهيئة البيئة بالوسائل البديلة والمجدية مبكراً، وأعني بذلك تهيئة حلول الطاقة الشمسية مبكراً في استعمالات الكهرباء، وتطوير وسائل النقل الحديث مثل القطارات والحافلات في مسألة رفع أسعار الوقود، واستغلال مياه الصرف الصحي من أجل المحافظة على البيئة الخضراء قبل رفع أسعار المياه .
لا شك أن المجتمع يتحمّل الآن تكلفة فشل خطط التنمية الخمسية منذ أربعة عقود، فالبنية التحتية تعاني من التأخير لعدة عقود، والحياة في البيئة الصحراوية مكلفة جداً بسبب تطرف عوامل الطقس وندرة المياه وارتفاع الكهرباء والنقل، وستكون المعاناة أكثر على المتقاعدين الذين ينخفض دخلهم المالي بعد التقاعد، والذين قد يشدون الرحال إلى مناطق في المملكة أقل تكلفة، وأكثر اعتدالاً في الطقس وفلسفة الحياة.