د. محمد بن إبراهيم الملحم
الغلاء أزمة تمر بها كل اقتصاديات العالم ولا ينبغي أن يكون شيئا غريبا، سواء ارتبط بموقف سياسي أو اجتماعي أو بخطة اقتصادية فهو في النهاية مظهر وجد لنعيشه يوما ما ولكنه هو بذاته ليس المشكلة وليست أسبابه كذلك لأن أسبابه غالبا ما تكون خارج نطاق الفرد العادي ولها من يتصدى لها من أهل السياسة أو الإدارة مما يجعل اجترار موضوعه في أي سياق سوى سياق التعامل الإيجابي هو جلد للذات وتعبير غير صحي أبدا، وهو من وجه عقلاني آخر مجرد تعبير نسبي فلو تأملته مليا لوجدت حالة معيشة عادية عند ثقافات أخرى لا تقل عنا في التعليم والوعي وربما تفوقنا أحيانا في منجزاتها. وللتعليم دوره في مثل هذه الظروف فالتوعية والتوجيه هي مناط الأمر كله خاصة إذا لاحظنا أن مصدر الإسراف في نفقات الأسرة هم غالبا جيل طلاب المدرسة فإهدار الماء دون حرص وترك المكيفات تعمل طوال الوقت والإسراف في كميات الأكل والشرب والمطاعم والحلاق الباهض مظاهر لا تجدها لدى الآباء الذين يكدحون من أجل توفير لقمة العيش بينما يمارسها أبناؤهم ليل نهار دون شعور بالمسئولية ودون تقدير للدور والمعاناة التي يبذلها والديهم أبا كان أو أما، ولا يقتصر هذا على الأسرة متوسطة الحال بل حتى الأسر متيسرة الحال فهي بحاجة أيضا إلى توفير أموالها للمستقبل بدل أن تهدره في بذخ على أمور ومظاهر الحياة اليومية فيعيش جيل اليوم بترف ويتورط جيل الغد أو الذي بعده.
مادة الاقتصاد المنزلي تتضمن فيما تتضمنه من موضوعات مهمة إدارة ميزانية المنزل والأسرة ويتعلم فيها الطالب هذه المهارات فيدرك قيمة المال وكيف يتعامل معه، وهي مادة تدرس للطالبات وكم أتمنى أن تدرس للطلاب أيضا كما هو حاصل في أمريكا وبعض دول أوروبا، فالطالب اليوم سيكون غدا موظف ويملك المال فعليه أن يكون حصيفا في الحفاظ عليه، واستثماره، وحسن تدبيره. وفي ظروفنا اليوم فقد أصبح من واجبات المدارس أن تبادر بأنشطة إثرائية تتضمن هذا الموضوع بصورة أو أخرى وليس شرطا أن تكون هناك مادة مقررة من الوزارة بل إن كل مدير مدرسة يستطيع أن يصمم مع عدد من المعلمين حقيبة تدريبية خفيفة يقدم فيها أحدهم هذا الموضوع لبقية المعلمين تمهيدا لقيامهم بتقديمه لطلابهم سواء في حصصهم أو حصص النشاط، بل هناك أفكار خارج الصندوق يمكن أن تبذل في هذا المجال كالمسابقات والمقالات والبحوث الصغيرة في نفس الموضوع.
وينيغي للمدرسة أن تقوم بواجبها المجتمعي فتدعو أولياء الأمور وتقدم أمسية ثقافية توعوية حول هذا الأمر، وترسل النشرات المفيدة، لتكتمل الحلقة بين البيت والمدرسة فبدون الترتيب بين هاتين المؤسستين سيكون هناك تباين فربما كان البيت لا يمارس الممارسات الاقتصادية الحميدة التي تدعو إليها المدرسة! كما أن إدراك البيت بالحملة التي تنظمها المدرسة يؤدي به إلى أن يكمل دورها باستمرار التوجيه والتشجيع داخل المنزل وهو ما يكفل استمرارية الطفل أو الفتى في السلوك الجديد. للمدرسة تأثير كبير لا يجب أن نغفله وأتمنى من كل مدير مدرسة أن يعي دوره الوطني والمجتمعي قبل دوره الوظيفي والمهني ويبادر فالمبادرة هي مفتاح الإبداع وأساس التغيير.