أحمد بن عبدالرحمن الجبير
في كل تجارب التحول الاقتصادي الناجحة، اعتمدت معظم الدول خطة بديلة لمكافحة الآثار السلبية الناجمة عن هذا التحول، ولفئات محددة من الأسر، ففي الوقت الذي تمضي فيه الخصخصة، وانسحاب الدولة وتعزيز، ودعم وجود القطاع الخاص، تتأثر بعض الوحدات الاجتماعية سلبًا لحين تمكنها من تعديل مسارها الاقتصادي وفق المعطيات الجديدة، التي تحتاج إلى التأهيل والتدريب، وفتح آفاق وفرص عمل جديدة في ظل التحول الاقتصادي 2020م، والرؤية السعودية 2030م.
فالاتكالية الكاملة على الدولة في كل شيء يمكن أن يكون مقبولاً لفترة معينة، لكنها ليست مقبولة دائمًا فهناك متغيرات عديدة منها انخفاض أسعار البترول، وارتفاع أسعار الخدمات، وأيضًا أن الدولة استطاعت تهيئة الموارد البشرية، والبنى التحتية لانطلاقة جديدة نحو اقتصاد مستدام من أجل مستقبل الأجيال المقبلة والتخطيط لمستقبل واعد يضع المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله - في مصاف الدول المتقدمة.
حساب المواطن هو لتمكين الفئات الاجتماعية المختلفة للاستفادة من الدعم، بما يجعلها قادرة على مواجهة الأعباء الاقتصادية الجديدة، لكنه أيضًا ليس دعمًا كاملاً، بل يدفع بالأسر السعودية للترشيد، ففي سنوات ماضية عانينا من التوسع في كل شيء، لدرجة لم نعد قادرين على خدمة هذا التوسع، في ظل تنامي عالٍ في النمو السكاني، وفي مستقبل يجب أن تخطط له الدولة بنجاح، وعليه فإن فلسفة حساب المواطن هو عامل مساعد، ومساند للمواطن كي يتمكن من تهيئة ظروفه وفق المعطيات الاقتصادية الجديدة.
هناك قصور إعلامي في تعريف المواطن بطبيعة، ومضمون الحساب، ومع الأسف أسهم الإعلام بعملية إسراف ومبالغة في تصور حساب المواطن في البداية، لدرجة ظنه البعض مكافأة، وراتبًا جديدًا بينما هو في الحقيقة غير ذلك، بل هو مساهمة لتعزيز قدرة المواطن على تحمل الزيادة في أسعار بعض الخدمات، ومتطلبات الخصخصة، فليس هناك خدمات مجانية، كما أن حسبة حساب المواطن تبدو عادلة للأسر، حيث إن بعض الأسر يأتيها ما لا يقل عن 1400 ريال شهريًا، التي يجب أن تذهب لأغراض مخصصة لأجلها، كي تضبط وترشد الأسر مصروفاتها بنجاح.
إذا فلسفة حساب المواطن كما أراده صناع القرار يهدف إلى الحماية الاقتصادية للأسر من الآثار الاجتماعية المتوقعة، والمحتملة للإصلاحات الاقتصادية، وأن يكون الدعم نقدًا بناءً على إجمالي الدخل، وحجم الأسرة وأعمار التابعين، عدا عن مراجعة قيمة الدعم بشكل دوري لمعرفة الآثار الناتجة من إصلاحات أسعار منتجات الطاقة، والماء والكهرباء والقيمة المضافة.
ضمن هذه الرؤية يكون حساب المواطن قد حقق واحدًا من الأهداف الرئيسة للخصخصة، والحيلولة دون تأثر المواطن بأية آثار سلبية من تكلفة بعض الخدمات، ولكن علينا جميعًا أن نعترف بأن الواقع الجديد، والسعودية الجديدة تحتاج منا إلى أن نعمل، وأن نطور أنفسنا، ومهاراتنا وإمكاناتنا ومواردنا، وأن الخصخصة في جوانبها البعيدة ليست سلبية، بل خيار إستراتيجي لبلد يرغب بالتطور، ومنافسة الدول المتقدمة، وما زال بلدنا ولله الحمد فيه خيرات كثيرة، ولكن الفرص ستذهب لمن يملك المهارات والقدرات، لذا يجب علينا أن نعيد ترتيب أولوياتنا الاقتصادية على نحو مختلف، وأن ندير مواردنا بشكل أفضل.