د. خيرية السقاف
تغلبنا الأحزان حين تباغتنا من حيث لا ندري,
أو ندري لكننا لا نتوقّعها..
الكوب الذي صقع لم يحمل بصماته,
لم يفرغ من مائه..
قطعة الملابس المعدة عند طرف مرقده لا تزال مطوية بعطرها..
الحجرة مكتظة بأشيائه, حتى قلمه الرصاص,
وحبة دوائه..
الأحزان تسطو بعنفوانها
لها أجنحة كما سرب الغربان تنعق في الجوانح..
ليست على أية حال في هذه الحالة كميناً للإبداع..
الجمعة الفارطة كان عريساً في أبهى بياضه,
وأعبق شذاه..
سبَّابته المتجهة باليقين تقيم صلاته,
وهو في الصمت مبتسماً لمأواه..
في المكان يطوف, في كل ركن يلوح..
على مفرق المنعطفات يحضر..
على مقبض الباب تلوب مفاتحيه..
عند المرور شذاه يفوح..
يتجدد النبض بعافيته في قلوبنا,
فيها هو نشِطٌ بعنفوانه..
مكرٌّ كما الجياد, مفرٌّ كما الفرسان..
تحبه قلوبنا, وقلوب غير قلوبنا كثيرة, كثيرة..
يجتمع على مائدة طِيبته سوادها العظيم ..
ترسو حكمته عند انفلات دموعنا..
يربِّت على فقدنا طيفُه..
النسمة في حرِّ فقدنا هو..
البلسم في منتهى جرحنا هو..
هو الذاهب عنَّا, الآيب فينا ..
هو الغائب بيننا, الحاضر معنا..
هو المهاجر بعيداً بعيدا, هو النازل قريباً قريبا..
محمد الطيب, الصبور, الرضيّ, الراضي,
الهادئ, الحنون, الكنف, الكتف, التقي..
تغلبنا الأحزان .. تغلبنا..
فلقد درينا من أين أقبلت ورضبنا
لكن,
أوَ ستسكن قبل أن نلتقيك يا محمد؟!..